الأربعاء 24 جمادى الآخرة 1446 - 25 ديسمبر 2024
العربية

حكم تأخير الشرطيّ الصّلاة عند أداء مهمّة القبض على شخص

131308

تاريخ النشر : 17-07-2009

المشاهدات : 16169

السؤال

أعمل في الشرطة في بريطانيا ، وسؤالي يتعلق بأداء الصلاة أثناء أداء العمل ، ففي ببعض الأحيان أكون في مهمة القبض على شخص ما ، ويصادف ذلك وقت صلاة العصر على سبيل المثال ، وقس على ذلك بقية الصلوات فما العمل في مثل هذه الحالات ؟

الجواب

الحمد لله.

ينبغي أن يُعلم أنّ الله تعالى فرض هذه الصّلوات في أوقات محدّدة لا يجوز تأخيرها عنها ، فقال تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ) [النساء : 103] .

 فالصّلاة من الواجبات المؤقّتة التي تشتمل على واجبين :

1- واجب الأداء . 2- وواجب الأداء في الوقت .

فعلى المسلم أن يحرص كلّ الحرص ، وأن يبذل كلّ ما يستطيع لأداء الصلاة في وقتها ؛ لأنّ الله سبحانه قد توعّد الذين يؤخّرونها عن وقتها بقوله : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) . سورة الماعون /4-5 .

وللصلوات أوقات فضيلة واختيار ، وأوقات ضرورة ، فوقت الاختيار للعصر مثلاً أن يصير ظلّ كلّ شيء مثليه بعد ظل الزّوال ، وهو الذي يحدث إذا زالت الشمس ، وهو المذكور في الحديث : ( وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ) رواه مسلم (612)  ووقت الضرورة إلى غروب الشّمس ، وصلاة العشاء يمتد وقتها المختار إلى نصف الليل ، وما بعد ذلك فهو وقت ضرورة ؛ والمراد بوقت الضرورة أنه يجوز تأخيرها إليه في حال العذر والضرورة ، وأما من كان في سعة ، ولا مشقة عليه في صلاتها قبله : فيحرم عليه أن يؤخرها إلى ذلك الوقت .

وباقي الصلوات : الفجر ، والظهر ، والمغرب : يستحب فعلها في أول وقتها ، ويمتد وقتها إلى طلوع الشمس ، بالنسبة لصلاة الفجر ، وإلى الصلاة الأخرى ، بالنسبة للظهر والمغرب .

ينظر : "كشاف القناع" (1/253) .

وبناء على ذلك : فإن أمكنك أن تصلي الصلاة في أول وقتها ، فهو الأفضل والأكمل لك دائما ، وإن تعذر عليك بسبب شغلك ، أو أمر طارئ حدث لك ، فأخرتها إلى آخر وقتها ، أو إلى وقت الضرورة ، على ما سبق ، صحت صلاتك ، ولا إثم عليك .

وعليك أن تحتال لذلك بما تقدر عليه ، كما قال الله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن /16 ؛ وإذا أمكنك أن تختار نوبات العمل التي لا تعيقك عن أداء الصلاة : فهو الواجب عليك ، وإن كنت في نوبة عمل في وقت الصلاة ، وأمكنك أن توكل أحد زملائك ، من غير المسلمين ، أن ينوب عنك إلى أن تصلي : فافعل .

فإن تعذر عليك ذلك كله ، لظرف طارئ ، أو عمل له خصوصية ، كالذي ذكرته في سؤالك :

جاز لك الجمع بين الصّلاتين صوريّاً – بأن تصلّي الأولى في آخر وقتها ، والثّانية في أوّل وقتها - ، أو في وقت إحداهما ما لم تتّخذ ذلك عادة في قول كثير من أهل العلم ، وهو قول بعض المالكيّة ، وبعض الشّافعيّة ، ورواية عند الحنابلة ، وبعض الظّاهريّة ، وبعض أهل الحديث ، وهو قول ابن سيرين ، وربيعة ، وابن شبرمة .

أمّا التي لا يمكن الجمع بينهما كالعصر والمغرب ، أو الفجر مع العشاء أو الظّهر ، فعليك أن تؤدّيها في وقتها الاختياريّ أو الضّروريّ .

ينظر : الأوسط (2/433) ، والمنتقى (1/253) ،  والاستذكار (6/32) ، والمجموع (4/263) ، والمغني (3/137) ، والاختيارات الفقهيّة لابن تيمية (ص70) .

فإن لم يمكنك هذا الجمع الصوري ، وخرج وقت المغرب ـ مثلا ـ قبل أن تصلي العشاء ، أو خرج وقت الظهر قبل أن تصلي العصر : جاز لك أن تجمع بين كل صلاتين : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، جمعا حقيقيا ، كما يجمع المسافر بينهما ؛ إما جمع تقديم في وقت الظهر ، أو جمع تأخير في وقت العصر ، حسب ما يقتضيه الظرف الطارئ .

لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - قَالَ : ( صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صلّى الله عليه وسلّم - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا بِالْمَدِينَةِ فِى غَيْرِ خَوْفٍ وَلاَ سَفَرٍ ) . قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ : فَسَأَلْتُ سَعِيدًا لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ كَمَا سَأَلْتَنِي ، فَقَالَ : أَرَادَ أَنْ لاَ يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ . أخرجه مسلم في صحيحه برقم (705) .

 وفي رواية عنه : ( أَنَّهُ صَلَّى بِالْبَصْرَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ ، وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ ؛ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ شُغْلٍ ، وَزَعَمَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ الْأُولَى وَالْعَصْرَ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا شَيْء ) .

أخرجها النسائيّ برقم (589) ، وأحمد في المسند (1/251) ، والطيالسيّ في مسنده برقم (2843) ، والطّبرانيّ في الكبير برقم (12916) .

صحّحها أحمد شاكر في تعليقه على المسند برقم (2269) ، والألبانيّ في صحيح سنن النسائيّ برقم (575) ، وفي إرواء الغليل برقم (579) .

ففيه دليل على أنّ الجمع لم يكن لمطر ولا مرض ، ولكن كان ابن عبّاس في أمر مهمّ من أمور المسلمين ، يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته ، ورأى أنّه إن قطعه ونزل فاتت مصلحته ، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع .

ينظر : مجموع الفتاوى (24/76) ، وفتح الباري (2/31) .

وقال الشيخ أحمد شاكر في تعليقاته على سنن التّرمذيّ (2/358) : ( وهذا هو الصّحيح الذي يؤخذ من الحديث ، وأمّا التّأويل بالمرض أو العذر أو غيره ، فإنّه تكلّف لا دليل عليه ، وفي الأخذ بهذا رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرّهم أعمالهم ، أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصّلاتين ، ويتأثّمون من ذلك ويتحرّجون ، ففي هذا ترفيه لهم ، وإعانة على الطّاعة ، ما لم تتّخذه عادة ) .

والجمع بين الصلاتين إنّما شرع لرفع الحرج والمشقّة عن الأمّة ، فيجوز الجمع في هذه الحالة ؛ لوجود العلّة .

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (24/77) : ( فالأحاديث كلّها تدلّ على أنّه جمع في الوقت الواحد ؛ لرفع الحرج عن أمّته ، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمّة ) .

وينظر : الشرح الممتع (4/391) ، ومجموع فتاوى ابن عثيمين (15/383) .

وينظر للمسألة : فتاوى اللّجنة الدّائمة (25/44) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب