الحمد لله.
العلاج بلسع النحل يتم بالإمساك بالنحلة بواسطة ملقط وإبقائها حية لمدة تتراوح ما بين 15 و20 دقيقة لكي تلسع المريض وتضخ سمها في مجرى دمه ، كما يمكن استعمال هذا السم عن طريق الحقن بسائل سم النحل المحضَّر ، أو عن طريق تناوله بالفم على شكل أقراص أو كبسولات ، كما سهِّل استعمال سم النحل وذلك على صورة مراهم وكريمات لعلاج التهاب المفاصل وغيرها من الأمراض الجلدية ، ولا يستخدم هذا النوع من العلاج مع المرضى الذين لديهم حساسية تجاه سم النحل حتى لا يتعرض أحدهم لتأثيرات جانبية بعضها خطير .
وقد نجح التطبيب بسم النحل في التعافي من أمراض كثيرة مثل أمراض الروماتيزم ، وضعف النظر ، والجيوب الأنفية ، وفقر الدم ، وسرطان الغدد ، وغيرها من الأمراض .
والعلاج بلسع النحل عرفه قدماء الأطباء ، فقد ذكره أبو قراط في كتبه وعلاجاته ، غير أننا لم نقف على نصوص لأهل العلم في حكم التداوي بلسع النحل ، وقد رأينا أنها تدخل في بحوثهم في حكم التداوي بالسموم .
والذي يظهر من الواقع ومن كلام أهل الخبرة أن السموم ليست على درجة واحدة ، وأن منها ما هو قاتل ، ومنها ما ليس كذلك ، وهذا الثاني إذا أُكثر منه صار قاتلاً ، وذلك مثل سم النحل ، فإنه ليس قاتلاً ابتداء لمن ليس عنده حساسية ، لكنه إن بلغ حدّاً معيناً فإنه يكون قاتلاً .
ومن هنا نفهم بعض ما قاله بعض الشافعية والحنابلة من أن السم إن كان يضر كثيره : لم يحرم تناول يسيره .
انظر " الإنصاف " ( 10 / 354 ) و " المجموع " ( 9 / 37 ) .
ومن المعلوم أن تناول السم القاتل لا يجوز ، بل هو من كبائر الذنوب .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) رواه البخاري (5442) ومسلم (109) .
وأما تناول السم من أجل التداوي : فقد اختلف العلماء فيه على قولين :
الأول : جواز التداوي بالسم إذا دعت الضرورة لذلك ، وكان الغالب السلامة من أثره .
وهو قول جمهور الحنفية والمالكية الشافعية ، وهو مذهب الحنابلة .
والثاني : حرمة التداوي بالسم ، وهو قول بعض الحنفية والشافعية .
والراجح من القولين هو الأول ، فالسموم أنواع وليس لها حكمٌ واحد ، وهي تختلف بحسب نفعها والحاجة إليها ، وقد أثبتت تجارب كثيرة فعالية سم النحل في العلاج .
قال المباركفوري رحمه الله :
"قال الماوردي وغيره : السموم على أربعة أضرب :
منها : ما يقتل كثيره وقليله : فأكله حرام للتداوي ولغيره ، كقوله تعالى : (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) .
ومنها : ما يقتل كثيره دون قليله : فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره ، والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي : جاز أكله تداوياً .
ومنها : ما يقتل في الأغلب ، وقد يجوز أن لا يقتل : فحكمه كما قبله .
ومنها : ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل : فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله ، وفي موضع تحريم أكله ، فجعله بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي" انتهى .
" تحفة الأحوذي " ( 6 / 167 ) .
وفي " كشاف القناع عن متن الإقناع " ( 4 / 264 ) :
"فَإِنْ كَانَ الدَّوَاءُ مَسْمُومًا وَغَلَبَتْ مِنْهُ السَّلَامَةُ وَرُجِيَ نَفْعُهُ أُبِيحَ لِدَفْعِ مَا هُوَ أَعْظَمَ مِنْهُ ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْوِيَةِ غَيْرِ الْمَسْمُومَةِ ، وَدَفْعًا لِإِحْدَى الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفَّ مِنْهَا" انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"وما فيه السموم من الأدوية : إن كان الغالب من شربه واستعماله الهلاك به أو الجنون : لم يبح شربه ، وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى منه المنفعة : فالأوْلى إباحة شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية .
ويحتمل أن لا يباح ؛ لأنه يعرض نفسه للهلاك ، فلم يبح كما لو لم يرد به التداوي .
والأول : أصح ؛ لأن كثيراً من الأدوية يخاف منه ، وقد أبيح لدفع ما هو أضر منه" انتهى .
"المغني" ( 1 / 447 ) .
والخلاصة :
أنه يجوز التداوي بلسع النحل ، وأن ذلك ينبغي أن يكون ذلك بإشراف طبيب أو مختص ، حتى يكون بالقدر الذي يحتاج إليه المريض .
والله أعلم
تعليق