الحمد لله.
أولاً :
لا يجوز التبرع بشيء من مال اليتيم ، لا بالقرض ولا بالهبة ، ولا بغير ذلك من أنواع التبرعات التي لا تعود عليه بالنفع ؛ لقوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) سورة الأنعام/152 ، وقوله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ)
البقرة/220 .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (43/198) : "ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه ليس للوصي أن يتبرع بمال الصغير سواء أكان بالصدقة أم بالهبة بغير عوض ؛ لأن التبرع بمال الصغير لا حظ له فيه ، وأنه ينافي مقصود الوصاية من الحفاظ على المال وتنميته والتصرف بما فيه نفع يعود على الصغير ، مستندين في ذلك إلى قوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) فقد نهى عن قربان مال اليتيم إلا بما فيه مصلحة له ، والتبرع بالمال لا مصلحة لليتيم فيه ، بل هو تصرف في ماله على غير الوجه الذي أمر الله به ، فيكون ممنوعاً ومنهيا عنه" انتهى .
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج (3/151): "ويتصرف له [يعني : اليتيم] الولي بالمصلحة وجوباً ، لقوله تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وقوله تعالى : (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ) ، فالتصرف الذي لا خير فيه ولا شر ممنوع منه ، إذ لا مصلحة فيه وهو كذلك ، ويجب على الولي حفظ مال الصبي عن أسباب التلف ، واستنماؤه [استثماره] قدر ما تأكله المؤن من نفقة وغيرها إن أمكن" انتهى بتصرف .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (14/221) :
يوجد لديه فلوس لأيتام والفلوس هذه موضوعة في أحد بنوك المملكة دون فائدة لهؤلاء الأيتام ، وحضر أحد المواطنين يطلب من هذه الفلوس سلف مبلغ وقدره ستون ألف ريال وعندئذ قال: أنا سوف أقوم بهذه الفلوس تقسيط على (35 شهر) وكل شهر قسط بمقدار (2400) ، وقال : أنا سوف أعطي الأيتام من خاطري مقدار (12000 ريال) زود على فلوسهم ، وهذا من خاطري وليس شرطاً ، بل ما دام إنها سوف تجلس مدة يمكن هذا ما فيه شيء .
فأجابت :
"إذا كان الواقع كما ذكرت ، فلا يجوز لك أن تقرض من مال الأيتام لا للمذكور ولا لغيره ، ولا مع نية أن يكافأهم بزيادة ، ولا بعدم نية ، ولكن يشرع لك التماس من يتجر فيها بجزء مشاع معلوم من ربحها ، كالنصف ونحوه ، بشرط أن يكون من الثقات .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي... الشيخ عبد الله ابن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز أن يتصرف بمال الأيتام وهم قاصرون ؟
فأجاب :
"نعم يجوز أن يتصرف ولي اليتيم في ماله بما ينفع اليتيم . قال الله سبحانه وتعالى (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) .
فولي اليتيم يتصرف في مال اليتيم بما ينميه ، وما هو من مصلحته ، أما أن يتصرف فيه بما ينقصه أو بما يضره ، فهذا لا يجوز" انتهى من " فتاوى إسلامية " (4/453) .
ثانياً :
لا يلزم السائلة فصل مالها عن مال أولادها ؛ لقول الله تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) البقرة/220 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله في "تفسيره" (1/99 ) :
"لما نزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) شق ذلك على المسلمين ، وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى ، خوفاً على أنفسهم من تناولها ، ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها ، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فأخبرهم تعالى أن المقصود ، إصلاح أموال اليتامى ، بحفظها وصيانتها ، والاتجار فيها ، وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره جائز على وجه لا يضر باليتامى ، لأنهم إخوانكم ، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه ، والمرجع في ذلك إلى النية والعمل ، فمن علم الله من نيته أنه مصلح لليتيم ، وليس له طمع في ماله ، فلو دخل عليه شيء من غير قصد لم يكن عليه بأس ، ومن علم الله من نيته ، أن قصده بالمخالطة ، التوصل إلى أكلها وتناولها ، فذلك الذي فيه حرج وإثم .
وهذه الرخصة ، لطف من الله تعالى وإحسان ، وتوسعة على المؤمنين ، وإلا فـ (لَوْ شَاءَ اللَّهُ لأعْنَتَكُمْ) أي : شق عليكم بعدم الرخصة بذلك ، فحرجتم . وشق عليكم وأثمتم" انتهى .
وعليه ، فالذي ينبغي لهذه الأم أن تتحرى الدقة في صرفها لأموال الأيتام بقدر استطاعتها من غير إسراف ولا تبذير .
وكون الأم خلطت مالها بمال أيتامها ، وتنفق منه في المناسبات والمجاملات ... ، يُخشى منه الوقوع في المحظور ؛ وهو الأخذ من أموال اليتامى لغير مصلحتهم ، لاحتمال أن المال الذي يُصرف في المناسبات والمجاملات أكثر من مالها الخاص بها .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء (14/277) :
حيث إنني تزوجت أرملة ابن عمي "أم الأيتام" وهي في عصمتي وزوجتي الوحيدة ، وهي في منزلي هي وأبناؤها المذكورون ، وعددهم أربعة ، أما البنت الأخرى فهي متزوجة والباقون لا زالوا صغاراً ، وحيث إنني أنفق على البيت نصف من مالي ، ونصف من مال الأيتام ، وفي بعض الأحيان يقيم عندي والدي أو أحد إخوتي أو إحدى أخواتي مدة قد تصل إلى شهرين أو أكثر والمصروف كما وضحت لكم ، أما ملابسهم من مالهم الخاص ، وسؤالي : هل أنا عدلت في تقسيم النفقة أم ماذا ؟
فأجابت : "إذا كنت ترى أن النصف الذي أخذته من مال الأيتام مقارب لنفقاتهم ، فلا حرج عليك ، وعليك في تقديم نفقتهم تحري العدل والاجتهاد ؛ لقول الله سبحانه : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) الآية . وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الله بن قعود.
فعلى هذه الأم أن تجتهد في تقدير نفقات أولادها ولا تأخذ من مالهم الخاص بهم أكثر من ذلك ، فإن حصل وأخذت من مالهم من غير قصد منها ولا تعمد ، فلا حرج عليها إن شاء الله .
والله أعلم
تعليق