الحمد لله.
ذهب كثير من العلماء إلى عدم جواز تعليق الهبة بالشرط .
قال ابن حزم في "المحلى" (8/59) :
" وَلَا تَجُوزُ الْهِبَةُ بِشَرْطٍ أَصْلًا " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْهِبَةِ بِشَرْطٍ ; لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لِمُعَيَّنٍ فِي الْحَيَاةِ , فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ , كَالْبَيْعِ " انتهى من "المغني" (5/384) .
وفي هذه الحالة : تصح الهبة ، وينتقل الملك للموهوب له ، ويُلغى الشرط .
انظر : "شرح المنتهى" (2/434) للبهوتي رحمه الله .
واختار بعض العلماء جواز تعليق الهبة بالشرط ، وهو قول بعض الحنفية والحنابلة ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله .
قال ابن عابدين في "حاشيته" (5/710) :
" امْرَأَةٌ تَرَكَتْ مَهْرَهَا لِلزَّوْجِ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهَا , فَلَمْ يَحُجَّ بِهَا : قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ : إنَّهَا تَعُودُ بِمَهْرِهَا ; لِأَنَّ الرِّضَا بِالْهِبَةِ كَانَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ , فَإِذَا انْعَدَمَ الْعِوَضُ انْعَدَمَ الرِّضَا , وَالْهِبَةُ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الرِّضَا .
وإذَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا : وَهَبْت مَهْرِي مِنْك عَلَى أَنْ لَا تَظْلِمَنِي فَقَبِلَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فَلَوْ ظَلَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَالْهِبَةُ مَاضِيَةٌ , وَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَهْرُهَا بَاقٍ إنْ ظَلَمَهَا " انتهى .
وجاء في "الإنصاف" (20/391) : "ظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي الحارث صحة دفع كل واحد من الزوجين إلى الآخر مالاً على أن لا يتزوج .. ومن لم يف بالشرط لم يستحق العوض ، لأنها هبة مشروطة بشرط فتنتفي بانتفائه" انتهى .
وذكر في "الإنصاف" (17/44) أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اختار جواز تعليق الهبة بالشرط .
وقال ابن القيم رحمه الله ـ وهو يرد قول من قال : إن الهبة لا يصح تعليقها بالشرط ـ قال :
"وهذا الحكم غير ثابت بالنص ولا بالإجماع ، فما الدليل على بطلان تعليق الهبة بالشرط ؟ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علق الهبة بالشرط في حديث جابر لما قال : لو قد جاء مال البحرين لأعطيتك هكذا وهكذا ثم هكذا ثلاث حثيات . وأنجز ذلك له الصديق رضي الله عنه لما جاء مال البحرين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : كان ذلك وعداً . قلنا : نعم ، والهبة المعلقة بالشرط وعد ، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث إلى النجاشي بهدية من مسك وقال لأم سلمة : إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة فإن ردت علي فهي لك . وذكر الحديث . رواه أحمد .
فالصحيح : صحة تعليق الهبة بالشرط عملاً بهذين الحديثين " انتهى من "إغاثة اللهفان" (2 / 16-17) .
فعلى هذا القول ، إذا رجعت امرأتك في الشرط وطلبت الطلاق فلك الرجوع في الهبة .
والله أعلم
تعليق