الجمعة 10 شوّال 1445 - 19 ابريل 2024
العربية

الأعمال التي وعد صاحبها بدخول الجنة ، هل يشمل هذا الوعد أصحاب الكبائر؟

135705

تاريخ النشر : 21-08-2009

المشاهدات : 33613

السؤال

يوجد لدينا في السنة الصحيحة أدلة كثيرة ، من أدعية أو أذكار ، تبين أن من يقولها توجب له الجنة ، أو يحفظ من النار ، أو يكون للعبد الحق أن يرضيه الله ، أو أن تحل له الشفاعة... سؤالي هو : هل يعني ذلك أن العاصي أو مرتكب الكبيرة يشمله هذا الجزاء ؟ وجزاكم الله خيرا .

الجواب

الحمد لله.

إن لله تعالى الخلق والأمر ، وله الحجة البالغة ، وما كان من أمره مما وعد عليه بالجنة ، أو توعد عليه بالنار فوقوعه مشروط بحصول الشروط ، وانتفاء الموانع .

قال الشاطبي رحمه الله في "الموافقات" (1 / 345)

" لم يجعل الشارع الأسباب أسبابا مقتضية ، إلا مع وجود شرائطها وانتفاء موانعها ، فإذا لم تتوفر لم يستكمل السبب أن يكون سببا شرعيا " انتهى بمعناه .

فلا بد لحصول أي شيء من وجود أسبابه وشرائطه ، وانتفاء موانعه .

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

" مُجَرَّدُ الْأَسْبَابِ لَا يُوجِبُ حُصُولَ الْمُسَبَّبِ ؛ فَإِنَّ الْمَطَرَ إذَا نَزَلَ وَبُذِرَ الْحَبُّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَافِيًا فِي حُصُولِ النَّبَاتِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِيحٍ مُرْبِيَةٍ بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ صَرْفِ الِانْتِفَاءِ عَنْهُ ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ .

وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ لَا يُولَدُ بِمُجَرَّدِ إنْزَالِ الْمَاءِ فِي الْفَرْجِ ، بَلْ كَمْ مَنْ أَنْزَلَ وَلَمْ يُولَدْ لَهُ ؛ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنَّ اللَّهَ شَاءَ خَلْقَهُ فَتَحْبَلُ الْمَرْأَةُ وَتُرَبِّيهِ فِي الرَّحِمِ وَسَائِرُ مَا يَتِمُّ بِهِ خَلْقُهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ .

وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْآخِرَةِ : لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْعَمَلِ يَنَالُ الْإِنْسَانُ السَّعَادَةَ ، بَلْ هِيَ سَبَبٌ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمْ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا : وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : وَلَا أَنَا إلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةِ مِنْهُ وَفَضْلٍ " انتهى .

"مجموع الفتاوى" (8 / 70)

وقال ابن القيم رحمه الله :

" السبب قد يتخلَّفُ عنه مسبَّبه لفوات شرط ، أو لوجود مانع " انتهى .

"زاد المعاد" (4 / 271) ، وينظر : "جامع العلوم والحكم" (ص 392) .

فمن توضأ أو صلى أو استغفر أو ذكر الله ، ونحو ذلك ، فقد أتى سببا من أسباب المغفرة ، وهذا وحده لا يكفي في حصولها ، حتى تتوافر له كل شروطها ، وتنتفي عنه موانعها .

قال ابن رجب رحمه الله :

" وقد ورد ترتُّب دخولِ الجنة على فعلِ بعض هذه الأعمال كالصَّلاةِ ، ففي الحديث المشهور : ( من صلَّى الصلواتِ لوقتِها ، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَهُ الجنّة ) ، وفي الحديث الصحيح : ( من صَلَّى البَرْدَينِ دخل الجنة ) ، وهذا كلُّه من ذكر السبب المقتضي الذي لا يعمل عمله إلاَّ باستجماع شروطه، وانتفاء موانعه ...

وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أنَّ ارتكاب بعضِ الكبائر يمنع دخولَ الجنَّة ، كقوله: ( لا يدخل الجَنَّةَ قاطع ) ، وقوله : ( لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرَّةٍ من كِبْر ) ، وقوله : ( لا تدخلوا الجنة حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤْمِنوا حتَّى تحابُّوا ) ، والأحاديث التي جاءت في منع دخول الجنَّة بالدَّينِ حتى يُقضى . وفي الصَّحيح : أنَّ المؤمنين إذا جازوا الصِّراطَ ، حُبِسُوا على قنطرة يقتصُّ منهم مظالمُ كانت بينهم في الدنيا.

وقال بعض السَّلف : إنَّ الرجل ليُحبَسُ على باب الجنَّةِ مئة عام بالذنب كان يعملُه في الدنيا. فهذه كُلُّها موانع .

ومن هنا يظهرُ معنى الأحاديث التي جاءت في ترتيب دخول الجنَّة على مجرَّد التوحيد ، ففي " الصحيحين " عن أبي ذرٍّ ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، قال : ( ما مِنْ عبدٍ قال : لا إله إلاَّ الله ، ثمَّ مات على ذلك إلاَّ دخل الجنَّة ) ، قلت : وإنْ زنى وإنْ سرق ؟! قالَ : ( وإنْ زنى وإنْ سرق ) ، قالها ثلاثاً ، ثم قال في الرابعة : ( على رغم أنف أبي ذرٍّ ) ، فخرج أبو ذرٍّ ، وهو يقول : وإنْ رغم أنفُ أبي ذرٍّ ...

فقال طائفةٌ من العلماء : إنَّ كلمة التوحيد سببٌ مقتضٍ لدخول الجنَّة وللنجاة مِنَ النَّارِ ، لكن له شروطٌ ، وهي الإتيانُ بالفرائضِ ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائر .

قال الحسن للفرزدق : إنَّ لـ لا إله إلا الله شروطاً ، فإيَّاكَ وقذفَ المحصنة(1) . ورُوي عنه أنَّه قال : هذا العمودُ ، فأين الطُّنُبُ ؟! يعني : أنَّ كلمةَ التوحيد عمودُ الفسطاط ، ولكن لا يثبتُ الفسطاطُ بدون أطنابه ، وهي فعلُ الواجبات ، وتركُ المحرَّمات .

وقيل للحسن : إنَّ ناساً يقولون : من قال : لا إله إلا الله ، دخل الجنَّة ؟!

فقال : من قال : لا إله إلا الله ، فأدَّى حقَّها وفرضها ، دخلَ الجنَّةَ.

وقيل لوهب بنِ مُنبِّه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنَّة ؟

قال : بلى ؛ ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنان ، فإنْ جئتَ بمفتاحٍ له أسنانٌ فتح لك ، وإلاَّ لم يفتح لك .. " . انتهى .

"جامع العلوم والحكم" (208-210) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب