السبت 22 جمادى الأولى 1446 - 23 نوفمبر 2024
العربية

يريد الخروج من المنزل ؛ لما يحصل بينه وبين والدته من الجدال والنقاش

136462

تاريخ النشر : 19-03-2012

المشاهدات : 11183

السؤال


كما أعلم فإن مكانة الأم بين أبناءها فى الإسلام هى مكانة مرتفعة للغاية ، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم حديثاً يقول : بأنه رَغِم أنف من أدرك والديه ولم يدخل الجنة ، وأنا غير واثق من صحة الحديث ، ولهذا فأدعو الله أن يغفر لى إذا كنت مخطئاً ، وأنا أحب أمي وأشعر بألمها وأبكى لبكائها وأدعو لها طوال الوقت ، لكننا ندخل فى مجادلات كلامية من حين لآخر والتى تنتهى بأن يقول كلانا أشياء قاسية ، ولا ينبغى أن تكون هى لغة خطاب المسلم ، فلكي أتجنب هذه الفتنة ، وحتى لا يكون قربي من أمى يسبب لي التوتر فهل يجوز أن أنتقل من المنزل؟ فقد وجدت منزلا مجاورا لمنزلنا الحالي ، ولهذا فسأكون قريبا من أمى عند انتقالي ، وأنا والحمد لله أصلي الصلوات الخمس اليومية ، وأحاول قدر استطاعتي أن أتقى الله ، لكنى أخشى من أن يتأثر إيمانى ببقائي مع أمى وسؤالي هو :
هل أنا بحاجة للحصول على إذن من أمي للانتقال من المنزل؟

الجواب

الحمد لله.


أولاً :
جاءت الوصية بالوالدين في كتاب الله تعالى ، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ببرهما والإحسان إليهما ، والنهي الشديد عن عقوقهما ؛ وذلك لعظيم حقهما .
قال الله عز وجل : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23 ، 24 .
" فنَهَى عَنْ أَنْ يُقَالَ لَهُمَا أُفٍّ ، إذْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِيذَاءِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ حَتَّى بِأَقَلِّ أَنْوَاعِهِ .
ثُمَّ أَمَرَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمَا الْقَوْلُ الْكَرِيمُ : أَيْ اللَّيِّنُ اللَّطِيفُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْعَطْفِ وَالِاسْتِمَالَةِ وَمُوَافَقَةِ مُرَادِهِمَا وَمَيْلِهِمَا وَمَطْلُوبِهِمَا مَا أَمْكَنَ سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ ، فَإِنَّ الْكَبِيرَ يَصِيرُ كَحَالِ الطِّفْلِ وَأَرْذَلَ ؛ لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَرَفِ وَفَسَادِ التَّصَوُّرِ ، فَيَرَى الْقَبِيحَ حَسَنًا وَالْحَسَنَ قَبِيحًا ، فَإِذَا طَلَبْت رِعَايَتَهُ وَغَايَةَ التَّلَطُّفِ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَأَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُ عَقْلَهُ إلَى أَنْ يَرْضَى فَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى .
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى بَعْدَ الْقَوْلِ الْكَرِيمِ بِأَنْ يَخْفِضَ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يُكَلِّمَهُمَا إلَّا مَعَ الِاسْتِكَانَةِ وَالذُّلِّ وَالْخُضُوعِ وَإِظْهَارِ ذَلِكَ لَهُمَا ، وَاحْتِمَالِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمَا ، وَيُرِيهِمَا أَنَّهُ فِي غَايَةِ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّهِمَا وَبِرِّهِمَا ، وَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ ذَلِيلٌ حَقِيرٌ ، وَلَا يَزَالُ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُثَلِّجَ خَاطِرَهُمَا ، وَيُبَرِّدَ قَلْبَهُمَا عَلَيْهِ ، فَيَنْعَطِفَا عَلَيْهِ بِالرِّضَا وَالدُّعَاءِ ؛ وَمِنْ ثَمَّ طَلَبَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ يَقْتَضِي دُعَاءَهُمَا لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَلْيُكَافِئْهُمَا إنْ فُرِضَتْ مُسَاوَاةٌ ، وَإِلَّا فَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ ، وَكَيْفَ تُتَوَهَّمُ الْمُسَاوَاةُ ، وَقَدْ كَانَا يَحْمِلَانِ أَذَاك وَكَلَّك وَعَظِيمَ الْمَشَقَّةِ فِي تَرْبِيَتِك ، وَغَايَةَ الْإِحْسَانِ إلَيْك ، رَاجِينَ حَيَاتَك ، مُؤَمّلِينَ سَعَادَتَك ، وَأَنْتَ إنْ حَمَلْت شَيْئًا مِنْ أَذَاهُمَا رَجَوْت مَوْتَهُمَا ، وَسَئِمْت مِنْ مُصَاحَبَتِهِمَا ؛ وَلِكَوْنِ الْأُمِّ أَحْمَلَ لِذَلِكَ وَأَصْبَرَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ عَنَاءَهَا أَكْثَرُ وَشَفَقَتَهَا أَعْظَمُ بِمَا قَاسَتْهُ مِنْ حَمْلٍ وَطَلْقٍ وَوِلَادَةٍ وَرَضَاعٍ وَسَهَرِ لَيْلٍ ، وَتَلَطُّخٍ بِالْقَذَرِ وَالنَّجَسِ ، وَتَجَنُّبٍ لِلنَّظَافَةِ وَالتَّرَفُّهِ حَضَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بِرِّهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، وَعَلَى بِرِّ الْأَبِ مَرَّةً وَاحِدَةً " انتهى .
"الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/388-389) .
وقال تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36 .
وقال سبحانه : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا) لقمان/14 ، 15 .
وعن عبد اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ ، فَقَالَ : (أَحَيٌّ وَالِدَاكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) رواه البخاري (3004) ومسلم (2549) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه البخاري (2782) ومسلم (85) .
وروى مسلم (2549) عن عبد الله بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ . قَالَ : فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، بَلْ كِلَاهُمَا . قَالَ : فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : (فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا) .
وروى الطبراني في "الكبير" (8162) عن طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله ، إني أريد الجهاد في سبيل الله ، قال : أمك حية؟ فقلت : نعم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الزم رجلها فَثَّم الجنة) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (2484) .
وروى مسلم (2551) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ) قِيلَ : مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوك) رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ ، وَالدَّيُّوثُ . وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ : الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى) رواه النسائي (2562) وصححه الألباني في "صحيح النسائي" .
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ إغْرَاءً عَلَى الْبِرِّ وَتَحْذِيرًا عَنْ الْعُقُوقِ وَوَبَالِهِ :
"أَيُّهَا الْمُضَيِّعُ لِأَوْكَدِ الْحُقُوقِ الْمُعْتَاضُ عَنْ الْبِرِّ بِالْعُقُوقِ النَّاسِي لِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغَافِلُ عَمَّا بَيْنَ
يَدَيْهِ ، بِرُّ الْوَالِدَيْنِ عَلَيْك دَيْنٌ وَأَنْتَ تَتَعَاطَاهُ بِاتِّبَاعِ الشَّيْنِ ، تَطْلُبُ الْجَنَّةَ بِزَعْمِك وَهِيَ تَحْتَ أَقْدَامِ أُمِّك ، حَمَلَتْك فِي بَطْنِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَأَنَّهَا تِسْعُ حِجَجٍ وَكَابَدَتْ عِنْدَ وَضْعِك مَا يُذِيبُ الْمُهَجَ ، وَأَرْضَعَتْك مِنْ ثَدْيِهَا لَبَنًا وَأَطَارَتْ لِأَجْلِك وَسَنًا ، وَغَسَلَتْ بِيَمِينِهَا عَنْك الْأَذَى وَآثَرَتْك عَلَى نَفْسِهَا بِالْغِذَاءِ ، وَصَيَّرَتْ حِجْرَهَا لَك مَهْدًا وَأَنَالَتْك إحْسَانًا وَرفْدًا ، فَإِنْ أَصَابَك مَرَضٌ أَوْ شِكَايَةٌ أَظْهَرَتْ مِنْ الْأَسَفِ فَوْقَ النِّهَايَةِ ، وَأَطَالَتْ الْحُزْنَ وَالنَّحِيبَ وَبَذَلَتْ مَالَهَا لِلطَّبِيبِ ، وَلَوْ خُيِّرَتْ بَيْنَ حَيَاتِك وَمَوْتِهَا لَآثَرَتْ حَيَاتَك بِأَعْلَى صَوْتِهَا ، هَذَا وَكَمْ عَامَلْتهَا بِسُوءِ الْخُلُقِ مِرَارًا فَدَعَتْ لَك بِالتَّوْفِيقِ سِرًّا وَجِهَارًا ، فَلَمَّا احْتَاجَتْ عِنْدَ الْكِبَرِ إلَيْك جَعَلْتهَا مِنْ أَهْوَنِ الْأَشْيَاءِ عَلَيْك "
"الزواجر" (2/400-401) .
ثانياً :
ما يحصل بينك وبين والدتك من المجادلات الكلامية التي تنتهي بكلام قاسٍ منك على والدتك هو من العقوق ، ومن كبائر الذنوب ، وإذا كان الله تعالى قد حَرّم على الولد أن يقول لوالديه : (أف) وهي أقل أذية يمكن أن تحصل باللسان ، فما كان أشد منها إيذاءً فهو أعظم تحريماً ، وأشد إثماً ، فلا يجوز للولد أن يرفع صوته على والديه ، ولا أن ينهرهما ، ولا أن يعنفهما .
وكونك تقرر الخروج من البيت ، وتزعم أنك تتجنب بذلك الفتنة ، وتبتعد عن جو التوتر ، ومحادثات الجدل والخصام : فلعلك تريد ذلك بحثاً عن راحة البال وقلة المشاكل ، ولزومك رجليها خير لك لو كنت تعلم ، فإن الجنة عندها .
فالنصيحة لك أن تلزمها ، وتجتهد في برها والإحسان إليها ، وجاهد نفسك حتى تكف عن مجادلتها وإغضابها ، وذلك ليس بالأمر العسير ، بل هو يسير ، على من يسره الله عليه ، وأكثر من دعاء الله تعالى أن يرزقك برها .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير .
ولمزيد الفائدة يراجع جواب السؤال رقم (3044) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة