الحمد لله.
شرع الله تعالى لعباده المسلمين السلام تحية بينهم ، وهو تحية أهل الجنة ، بثا للمودة والمحبة في قلوبهم ، وروى مسلم (54) في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) .
قال النووي رحمه الله :
" فِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاء السَّلَام وَبَذْله لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ ; مَنْ عَرَفْت , وَمَنْ لَمْ تَعْرِف , كَمَا فِي الْحَدِيث الْآخَر . وَالسَّلَامُ أَوَّل أَسْبَاب التَّأَلُّف , وَمِفْتَاح اِسْتِجْلَاب الْمَوَدَّة . وَفِي إِفْشَائِهِ تَمَكَّنُ أُلْفَة الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ لِبَعْضِ , وَإِظْهَار شِعَارهمْ الْمُمَيِّز لَهُمْ مِنْ غَيْرهمْ مِنْ أَهْل الْمِلَل , مَعَ مَا فِيهِ مِنْ رِيَاضَة النَّفْس , وَلُزُوم التَّوَاضُع , وَإِعْظَام حُرُمَات الْمُسْلِمِينَ " انتهى .
ولمزيد الفائدة عن فضل السلام وإفشائه ، راجع إجابة السؤال رقم : (4596) .
والأمر بإفشاء السلام يقتضي بعمومه : استحبابه في كل موطن ، إلا ما دل الدليل على خلافه.
وقد اختلف العلماء في استحباب إلقاء السلام لمن دخل إلى مجلس علم ، فذكر ابن جماعة في كتابه "تذكرة السامع" (ص 146) عن بعض العلماء أن مجالس العلم من المواضع التي لا يُسلم فيها ، ولكن اختار ابن جماعة أنه يسلم فيها ، وأن هذا جرى عليه العرف والعمل .
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله :
" إذا دخل الطالب على الراوي فوجد عنده جماعة فيجب أن يعمهم بالسلام " انتهى .
"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/171) .
وروى الخطيب عن الحسن رحمه الله قال : " تجب للعالم ثلاث خصال : تخصه بالتحية ، وتعمه بالسلام مع الجماعة ، ولا تقل يا فلان ، تقول يا أبو فلان ، وإذا قرأ فملّ لا تضجره ".
"الجامع" (2 / 72) .
وذهب جماعة من أهل العلم إلى كراهة إلقاء السلام على مجالس العلم والتحديث ؛ لما قد يحصل بسبب ذلك من تشويش ، وخاصة للمستملي والكاتب ، فقد يحصل بسبب التشويش تصحيف أو غلط في الكتابة أو السماع ونحو ذلك .
قال العلامة السفاريني رحمه الله :
" يُكْرَهُ السَّلامُ عَلَى جَمَاعَةٍ , مِنْهُمْ : ... وَعَلَى تَالٍ , وَذَاكِرٍ , وَمُلَبٍّ , وَمُحَدِّثٍ , وَخَطِيبٍ , وَوَاعِظٍ , وَعَلَى مُسْتَمِعٍ لَهُمْ ، وَمُكَرِّرِ فِقْهٍ , وَمُدَرِّسٍ , وَبَاحِثٍ فِي عِلْمٍ , وَمُؤَذِّنٍ وَمُقِيمٍ , وَمَنْ عَلَى حَاجَتِهِ , وَمُتَمَتِّعٍ بِأَهْلِهِ , أَوْ مُشْتَغِلٍ بِالْقَضَاءِ , وَنَحْوِهِمْ" انتهى .
"غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" (1 / 217)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
إذا دخل إنسان مجلس علم أو عطس في مجلس العلم نفسه هل يلقي السلام بصوت مرتفع أو يحمد الله بصوت مرتفع أم بصوت منخفض ؟
فأجاب :
" إذا كان يشوش على الحاضرين فلا يرفع صوته ، يجلس وإذا انتهى المجلس يسلم ، وإن كان لا يشوش بمعنى : أن الناس اعتادوا هذا ، وأنه إذا سلم رد عليه أحدهم فلا بأس .
وكذلك العطاس لا أرى أن يحرج القوم فيحمد الله برفع صوته ؛ لأنه سيحرجهم ، إن قلنا : بأن تشميت العاطس فرض عين معناه : كل الناس ـ ألف نفر مثلاً يستمعون ـ كلهم يقولون: - إذا قلنا إنه فرض عين - يرحمك الله ، ألف صوت ، وهذا محرج ومسبب لتشويش المجلس، يحمد الله خفية ، ويثيبه الله عز وجل على حمده " انتهى .
والخلاصة :
لا بأس بإلقاء السلام على أهل مجالس العلم عند القدوم عليهم ، إذا لم يؤد ذلك إلى التشويش عليهم ؛ فإن دخول أكثر من شخص ، ورفع صوتهم بالسلام مما قد يشغل المدرس والطالب ، وخاصة أن الطلبة يتوافدون إلى مجالس العلم تباعا .
وإذا كان المدرس أو الشيخ يرى عدم مشروعية إلقاء السلام في مجلسه لهذه العلة ونحوها فينبغي للطالب ألا يخالف أستاذه في هذا ، ؛ لأن المجلس مجلسه ، وهو أعلم بحال نفسه وحال طلبته وتلاميذه ، فقد يشغله كثرة السلام عليه وعلى الحضور ، فيقل تركيزه ، ويعرضه للخطأ، وخاصةً : أن له في ذلك سلفاً من العلماء المتقدمين القائلين بالمنع من إلقاء السلام في هذه الحالة .
والله أعلم .
تعليق