الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

كان ينفق على والدته فأغضبها وقطع النفقة

137953

تاريخ النشر : 28-11-2009

المشاهدات : 29637

السؤال

توفي والدي من زمن بعيد ووالدتي نسأل الله أن يرزقنا رضاها على قيد الحياة وأنا وأخي متكفلين بها وبمصاريفها من أكثر من 15 سنة تقريبا مع العلم أن والدتي لديها بعض المال أي شيء تحتاجه يدفعه أي منا ثم نحاسب بعضنا البعض أي بالنصف لو دفعت مثلا مبلغ 1000 يعطيني 500 وهكذا اختلف أخي مع أمي اختلافا كبيرا وأمي أصبحت لا تريد الكلام معه نهائيا طبعا احتاجت أمي بعض الأغراض والأشياء خلال هذه الفترة تكلمت مع أخي أنني دفعت لأمي مبلغ من المال قال لي لا دخل لي به ولست مسؤولا عن أمك ما دام عندها مال وأنت حر معها قلت له يا أخي هذه مسؤوليتك والمبلغ الذي دفعته أنا عنك لها تراه حق لي عندك وأنا لن أطالب أمي به مهما حصل يعني إما أدفعه مني وأجري على الله ولكن لو كان هذا المبلغ هو مسؤوليتك فلست مسامحك به ، فأنا لست مسؤول عن مسؤولياتك مع العلم أنني وأخي كلانا لسنا محتاجين أبدا بل بالعكس نحن من الطبقة فوق المتوسطة أو يمكن تقول أغنياء وأيضا ملتزمين والحمد لله ولكن دخل الشيطان برأس أخي في موضوع أمي ولا حول ولا قوة إلا بالله رغم المناصحة له ؟.

الجواب

الحمد لله.

أولا :

أمر الله تعالى ورسوله ببر الوالدين ، والإحسان إليهما ، والعمل على مرضاتهما ، والسعي في خدمتهما ، وتأكد ذلك عند كبرهما أو أحدهما ، وخُصت الأم بمزيد العناية ، حتى جعل لها ثلاثة أضعاف ما للأب من البر والإحسان .

قال الله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36 .

وقال سبحانه : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23 ، 24 .

وروى الطبراني في "الكبير" (8162) عن طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : (يا رسول الله ، إني أريد الجهاد في سبيل الله قال : أمك حية ؟ فقلت : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الزم رجلها فثم الجنة) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (2484) .

ثانيا :

يجب على الولد أن ينفق على والديه إذا كانوا فقراء وكان هو غنياً يستطيع النفقة عليهما ، وعلى هذا أجمع العلماء .

قال ابن قدامة رحمه الله :

" الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ .

قال ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا , وَلَا مَالَ , وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ " انتهى ملخصا .

"المغني" (8/168-169) .

فإذا كان المال الذي مع والدتك لا يكفيها فالواجب عليكما أن تنفقا عليها ، وتكون النفقة عليكما مناصفة ، وإذا كان المال الذي معها يكفيها فلا يلزمكما النفقة عليها، وإنما تكون نفقتكم عليها من باب البر والإحسان إلها ، وهو باب عظيم من أبواب البر .

وقطع أخيك النفقة عن أمه لما حدث بينهما : ليس من البر ولا الإحسان ، وقد يجلب ذلك عليه سخطها وغضبها ، وليست القصية الآن : هل تجب النفقة عليه أم لا؟ قد لا تكون واجبة ، ولكن القضية أن الذي يظهر من صنيعه : أنه قطع النفقة كالمعاقب لها ، أو الهاجر لها ، الذي لا يريد أن يحسن إليها ولا أن يكلمها ، فصار قطع النفقة الآن فيه شيء من العقوق .

وإذا كان الله تعالى قد حرم على الولد أن يقول لوالديه : (أف) وهي أقل كلمة يحصل بها الأذية ، فما كان أشد من ذلك فهو أشد إثماً .

فالواجب عليه التودد إليها ، وإظهار الرغبة منه في طلب رضاها ، والتقدم بالندم والاعتذار على ما بدر منه تجاهها .

ثم إنك ذكرت أنكما مستمران على النفقة على والدتكما منذ سنوات طويلة ، والذي ينبغي للمؤمن إذا اعتاد شيئاً من الخير والبر أن يداوم عليه ولا يقطعه ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : (يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ) رواه البخاري (1152) ومسلم (1159) .

قال الحافظ بن حجر :

"فيه : استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من الخير ، من غير تفريط ، ويستنبط منه كراهة قطع العبادة وإن لم تكن واجبة" انتهى .

فالذي ينبغي لأخيك أن يسعى لإرضاء والدته والاعتذار لها ، وإعادة النفقة التي كان ينفقها عليها .

فإن لم يقبل ، فاحتسب أنت ما تنفقه على والدتك عند الله تعالى وستجد الجزاء الحسن لذلك في الدنيا والآخرة إن شاء الله .

كما عليك أن تسعى جاهداً في الإصلاح بين أمك وأخيك .

نسأل الله تعالى أن يجمع بينكما في خير .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب