الحمد لله.
أولا :
أمر الله تعالى ورسوله ببر الوالدين ، والإحسان إليهما ، والعمل على مرضاتهما ، والسعي في خدمتهما ، وتأكد ذلك عند كبرهما أو أحدهما ، وخُصت الأم بمزيد العناية ، حتى جعل لها ثلاثة أضعاف ما للأب من البر والإحسان .
قال الله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) النساء/36 .
وقال سبحانه : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء/23 ، 24 .
وروى الطبراني في "الكبير" (8162) عن طلحة بن معاوية السلمي رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : (يا رسول الله ، إني أريد الجهاد في سبيل الله قال : أمك حية ؟ فقلت : نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الزم رجلها فثم الجنة) حسنه الألباني في "صحيح الترغيب" (2484) .
ثانيا :
يجب على الولد أن ينفق على والديه إذا كانوا فقراء وكان هو غنياً يستطيع النفقة عليهما ، وعلى هذا أجمع العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ .
قال ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا , وَلَا مَالَ , وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ " انتهى ملخصا .
"المغني" (8/168-169) .
فإذا كان المال الذي مع والدتك لا يكفيها فالواجب عليكما أن تنفقا عليها ، وتكون النفقة عليكما مناصفة ، وإذا كان المال الذي معها يكفيها فلا يلزمكما النفقة عليها، وإنما تكون نفقتكم عليها من باب البر والإحسان إلها ، وهو باب عظيم من أبواب البر .
وقطع أخيك النفقة عن أمه لما حدث بينهما : ليس من البر ولا الإحسان ، وقد يجلب ذلك عليه سخطها وغضبها ، وليست القصية الآن : هل تجب النفقة عليه أم لا؟ قد لا تكون واجبة ، ولكن القضية أن الذي يظهر من صنيعه : أنه قطع النفقة كالمعاقب لها ، أو الهاجر لها ، الذي لا يريد أن يحسن إليها ولا أن يكلمها ، فصار قطع النفقة الآن فيه شيء من العقوق .
وإذا كان الله تعالى قد حرم على الولد أن يقول لوالديه : (أف) وهي أقل كلمة يحصل بها الأذية ، فما كان أشد من ذلك فهو أشد إثماً .
فالواجب عليه التودد إليها ، وإظهار الرغبة منه في طلب رضاها ، والتقدم بالندم والاعتذار على ما بدر منه تجاهها .
ثم إنك ذكرت أنكما مستمران على النفقة على والدتكما منذ سنوات طويلة ، والذي ينبغي للمؤمن إذا اعتاد شيئاً من الخير والبر أن يداوم عليه ولا يقطعه ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : (يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ) رواه البخاري (1152) ومسلم (1159) .
قال الحافظ بن حجر :
"فيه : استحباب الدوام على ما اعتاده المرء من الخير ، من غير تفريط ، ويستنبط منه كراهة قطع العبادة وإن لم تكن واجبة" انتهى .
فالذي ينبغي لأخيك أن يسعى لإرضاء والدته والاعتذار لها ، وإعادة النفقة التي كان ينفقها عليها .
فإن لم يقبل ، فاحتسب أنت ما تنفقه على والدتك عند الله تعالى وستجد الجزاء الحسن لذلك في الدنيا والآخرة إن شاء الله .
كما عليك أن تسعى جاهداً في الإصلاح بين أمك وأخيك .
نسأل الله تعالى أن يجمع بينكما في خير .
والله أعلم
تعليق