الحمد لله.
المعتبر في الأيمان قصد الحالف ونيته وقت حلفه ؛ فمن حلف على شيء يقصد به شيئا معينا فيمينه بحسب قصده .
قال أبو القاسم الخرقي رحمه الله في "مختصره" (ص149) :
" ويرجع في الأيمان إلى النية ، فإن لم ينو شيئا : رجع إلى سبب اليمين وما هيجها " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" ومبنى الأيمان على النية ؛ فمتى نوى بيمينه ما يحتمله : تعلقت يمينه بما نواه ، دون ما لفظ به ، سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه ، مثل أن ينوي موضوع اللفظ ، أو الخاص بالعام ، أو العام بالخاص ، أو غير ذلك ؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، فتدخل فيه الأيمان . ولأن كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على أنه أراده ، دون ظاهر اللفظ ؛ فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعَيُّن إرادته أولى .
فلو حلف ليأكلن لحما ، أو فاكهة ، أو ليشربن ماء ، أو ليكلمن رجلا ، أو ليدخلن دارا ، أو لا يفعل ذلك ، وأراد بيمينه معينا : تعلقت يمينه به دون غيره .
وإن نوى الفعل أو الترك في وقت بعينه اختص بما نواه " . انتهى .
" الكافي " (4/196) . وينظر : "كشاف القناع" (6/245-246) .
ومما له تعلق بالنية والقصد : أن يلحف على فعل أمر أو تركه ، وفي قصده وظنه أن ذلك سيحدث في وقت معين ، ثم يتغير وقته رغما عنه : فإن المعتبر في تحديد الوقت ما كان في نيته .
جاء في " الموسوعة الفقهية " (7/310) :
" مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ : إِنْ لَمْ يُوجَدْ مُسْتَحْلِفٌ ذُو حَقٍّ ، وَلَمْ يَنْوِ الْحَالِفُ مَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ يُخَصِّصُهُ ، أَوْ يَكُونُ اللَّفْظُ مَجَازًا فِيهِ ، رَجَعَ إِلَى السَّبَبِ الْمُهَيِّجِ لِلْيَمِينِ لأَِنَّهُ يَدُل عَلَى النِّيَّةِ ، وَإِنْ كَانَ الْقَائِل غَافِلاً عَنْهَا .
فَمَنْ حَلَفَ : لَيَقْضِيَنَّ زَيْدًا حَقَّهُ غَدًا فَقَضَاهُ قَبْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ ، إِذَا كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ أَمْرًا يَدْعُو إِلَى التَّعْجِيل وَقَطْعِ الْمَطْل ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ غَدٍ .
فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مَانِعًا مِنَ التَّعْجِيل ، حَامِلاً عَلَى التَّأْخِيرِ إِلَى غَدٍ ، فَقَضَاهُ قَبْل : حَنِثَ .
وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ غَدٍ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبٌ يَدْعُو إِلَى التَّعْجِيل أَوِ التَّأْخِيرِ حَنِثَ بِهِمَا عِنْدَ الإِْطْلاَقِ عَنِ النِّيَّةِ .
وَأَمَّا إِذَا نَوَى التَّعْجِيل أَوِ التَّأْخِيرَ فَإِنَّهُ يَعْمَل بِنِيَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، فَعِنْدَ نِيَّةِ التَّعْجِيل يَحْنَثُ بِالتَّأْخِيرِ دُونَ التَّقْدِيمِ ، وَعِنْدَ التَّأْخِيرِ يَكُونُ الْحُكْمُ عَكْسَ ذَلِكَ " انتهى .
وبناء على ما سبق :
فإن يمينك تنتهي بالموعد الذي كان مقدرا في نيتك وقت الحلف أنك تسافر فيه ، فإذا تأخر رغما عنك : فإنك لا تحنث بتأخره ، ولا يلزمك ترك ما حلفت عليه إلى الموعد الجديد .
والله تعالى أعلم .
تعليق