الحمد لله.
أولا :
يشترط في صحة الوصية أن لا تكون لوارث ، إلا أن يقبل باقي الورثة بذلك . لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُل ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ ) رواه أبو داود (2870) ، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
" وَلأَِنَّ فِي إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الآْخَرِينَ ضَرَرًا يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ ، وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَإِثَارَةِ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ .
وَمَعْنَى الأَْحَادِيثِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لاَ تَنْفُذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُ الْمُوصَى بِهِ ، إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ
فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ : فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ ، إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ .
"الموسوعة الفقهية" (43 / 246-247) .
وبناء على ذلك : فإذا كان الذي سيستفيد من هذه الوصية هو بعض الورثة دون بعض ، فلا يجوز إنفاذها ، إلا بإذن باقي الورثة ، فإن لم يأذنوا لم تنفذ من الأصل ، لا في العمارة ، ولا في الفلة ، ولا في غيرها .
ثانيا :
تغيير الوصية :
تنفيذ وصية الميت واجب ، وعدم تنفيذها أو تغيير حكمها ، مع توفر شروط صحتها لا يجوز ، ومرتكب ذلك آثم ؛ لقول الله تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/181
لكن إن كان تغييرها لأفضل مما أوصى به الموصي ، فقد اختلف أهل العلم في جوازه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" تغيير الوصية لما هو أفضل فيه خلاف بين أهل العلم : فمنهم من قال : إنه لا يجوز ؛ لعموم قوله تعالى : ( فمن بدله بعد ما سمعه ) البقرة/ 181 ، ولم يستثن إلا ما وقع في إثم فيبقى الأمر على ما هو عليه لا يغير .
ومنهم من قال : بل يجوز تغييرها إلى ما هو أفضل ؛ لأن الغرض من الوصية التقرب إلى الله عز وجل ، ونفع الموصى له ، فكل ما كان أقرب إلى الله ، وأنفع للموصى له ، كان أولى أيضاً ، والموصي بشر قد يخفى عليه ما هو الأفضل ، وقد يكون الأفضل في وقت ما غير الأفضل في وقت آخر ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز تحويل النذر إلى ما هو أفضل مع وجوب الوفاء به ...
والذي أرى في هذه المسألة : أنه إذا كانت الوصية لمعين ، فإنه لا يجوز تغييرها ، كما لو كانت الوصية لزيد فقط ، أو وقف وقفاً على زيد ، فإنه لا يجوز أن تُغير ، لتعلق حق الغير المعين بها .
أما إذا كانت لغير معين - كما لو كانت لمساجد ، أو لفقراء - فلا حرج أن يصرفها لما هو أفضل " انتهى .
"تفسير القرآن للعثيمين" (4 / 256) .
والخلاصة : أنه إذا كان المنتفع بالوصية أحد الورثة : لم يجز تنفيذها إلا بإذن باقي الورثة ؛ فإذا لم يأذنوا : لم ينفذ منها شيء ، وإن أذنوا : فمن حقهم أن ينقلوها إلى شيء آخر ، كما ورد في السؤال ؛ لأنه أصل الوصية لا ينفذ إلا بإذنهم ، فتغيير صفة في الموصى به : أولى أن يرجع إلى إذنهم ، ولهم أن يأذنوا في تنفيذ الوصية كلها ، أو بعض منها .
وإن لم يكن المنتفع بالوصية أحد الورثة : لم يجز تغييرها إلا بإذن الموصى إليه ، لأن الحق له ، ولا يجوز التعدي على حقه ، من أجل حظ باقي الورثة .
والله تعالى أعلم .
تعليق