الحمد لله.
المسخ هو تغيير الصورة الظاهرة للإنسان ، وقد أخبرنا الله تعالى في أكثر من موضع من القرآن أنه مسخ بعض بني إسرائيل إلى قردة عقوبة لهم على معصيتهم لله تعالى . فقال تعالى مخاطبا بني إسرائيل: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) البقرة/65-66، وذكر الله تعالى قصتهم بشيء من التفصيل في سورة الأعراف فقال: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) الأعراف/163-166 .
وقال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيل المائدة/59-60 .
وهذا المسخ هو عقوبة من الله تعالى لهم على ارتكابهم ما حرم الله عليهم ، وهذه العقوبة ليست خاصة ببني إسرائيل ، بل أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه لن تقوم الساعة حتى يقع في هذه الأمة مسخ ، وتوعد بذلك الذين يكذبون بالقدر ، والذين يشربون الخمر ويستمعون الغناء - أعاذنا الله من ذلك - .
روى ابن ماجه (4059) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَسْخٌ وَخَسْفٌ وَقَذْفٌ صحيح ابن ماجه (3280) .
والخسف هو الذهاب في الأرض بأن تنشق الأرض وتبتلع شخصا أو بيتاً أو بلدة ، كما خسف اللهُ تعالى بقارون وبداره الأرض ، قال الله عز وجل : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَالقصص/81 .
والقذف هو الرمي بالحجارة ، كما فعل الله تعالى بقوم لوط ، قال الله جل وعلا: وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ الحجر/74 .
وروى الترمذي (2152) عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ أَوْ مَسْخٌ أَوْ قَذْفٌ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ يعني المكذبين به - صحيح الترمذي (1748) .
وروى الترمذي (2212) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَتَى ذَاكَ ؟ قَالَ إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ صحيح الترمذي (1801) . والقينات هن المعنيات .
فهذه الأحاديث دليل على وقوع المسخ في هذه الأمة ، عقوبةً على بعض المعاصي . فليحذر المسلم من الإقدام على ما حرم الله ، فالويل ثم الويل لمن يثير غضب الله وسخطه وانتقامه . – عافانا الله جميعاً من أساب عقوبته – .
ولكن هذه القردة والخنازيز الموجودة الآن ليست مما مُسخ من الأمم السابقة ، وذلك لأن الله تعالى لم يجعل لممسوخ نسلاً ، بل يهلكه الله تعالى بعد مسخه ولا يكون له نسل .
روى مسلم (2663) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا، وَإِنَّ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ، والعقب : الذرية . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنَّ الْقِرَدَة وَالْخَنَازِير كَانُوا قَبْل ذَلِكَ أَيْ : قَبْل مَسْخ بَنِي إِسْرَائِيل , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَسْخ اهـ .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
تعليق