الخميس 25 جمادى الآخرة 1446 - 26 ديسمبر 2024
العربية

اعتادوا على صنع وليمة بعد صلاة التراويح للأقارب فهل يعد هذا بدعة

141044

تاريخ النشر : 20-11-2009

المشاهدات : 10410

السؤال

تعودنا يا شيخ من أكثر من 15 سنه بإعداد وليمه ندعو لها الأقارب للإفطار والعشاء بعد التراويح ، والآن تعتبر عادة ، حتى بعد وفاة والدنا يرحمه الله والمسلمين أجمعين . ومن يتركها يتعيب بذلك ؛ فهل هي بدعة وإن دخل فيها الرياء ومراعاة الناس والخوف من همزاتهم ؟!

الجواب

الحمد لله.

أولا :

من أعمال الخير التي حث الشرع عليها ، وبشر فاعلها بعظيم الأجر عند ربه : إطعام الطعام.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ وَقِيلَ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ :

( أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ )

رواه الترمذي (2485) وقال : "حَدِيثٌ صَحِيحٌ" ، وصححه الألباني .

والأحاديث في هذا كثيرة .

وما ذكر من الاجتماع على ذلك العشاء ، بعد صلاة التراويح ، ليس من البدع في شيء ، فبعض الناس اعتاد أن يجعل عشاءه في هذا الوقت ، واعتاد ـ كذلك ـ أن يكون اجتماعه مع أهله وأقاربه في ذلك الوقت ، بعد الفراغ من الصلاة ، وكل هذا لا بأس به ، إن شاء الله ، ما دام تخصيص هذا الوقت ليس لاعتقاد فضيلة خاصة به ، بل هو لما اعتاده الناس من الاجتماع حينئذ .

ثانيا :

المحذور فيما ذكر من اجتماعكم ذلك : هو أن يجعل سنة راتبة ، أو أمرا لازما على أهل البيت ، أو على أحد من الناس ، إن تركها عجزا عن إقامتها ، أو شغلا عنها ، أو لغير ذلك من الأعذار : تعيب بها ؛ فهذا لا شك هو من تكليف الناس وإلزامهم بما لا يلزمهم ، والعيب إنما هو بترك الواجب ، كإكرام الضيف ، أو النفقة الواجبة ، ونحو ذلك ، أما أن يعتاد الناس شيئا ، ثم تصبح هذه العادة دينا لازما في عنقه ، إن تركه ذمه الناس بذلك وعابوه ، فهذا هو الخطأ الذي ينبغي تنبيه الناس إليه ، ومتى وصل الأمر إلى ذلك الحد : كان من المستحسن تركه أحيانا ، حتى لمن يقدر عليه ، من أجل أن ينقطع اعتياد الناس عليه ، وتكلفهم له ، حتى ربما تحلموا ما لا طاقة لهم به لأجل ذلك .

ثالثا :

ينبغي للمرء أن يجاهد نفسه في إخلاص عمله لله عز وجل ، متى كان عبادة يتقرب بها إلى ربه ، وأن يحذر في سائر أمره أن يتطرق إلى قلبه محبة الشهرة والسمعة بين الناس ؛ وإذا كنا قد ذكرنا أن إطعام الطعام هو قربة إلى الله ، وأمر رغب الشرع فيه ، فينبغي أن يكون ذلك خالصا لوجه ربه : من إطعام المحتاج والمسكين ، وصلة الأرحام ، وبذل الفضل للمسلمين ؛ وبذلك أثنى الله على عباده الصالحين ، قال تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) الإنسان/8-10 .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" أخبر عنهم أنهم إنما فعلوا ذلك لوجه الله ، وأنهم لا يريدون ممن أطعموه عوضا من أموالهم ، ولا ثناء عليم بألسنتهم ، كما يريده من لا إخلاص له بإحسانه إلى الناس ، من معاوضتهم ، أو الشكور منهم ؛ فتضمن ذلك : المحبة ، والإخلاص ، والإحسان " . انتهى .

"جامع المسائل " (1/72) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله :

" ويقصدون بإنفاقهم وإطعامهم وجه الله تعالى، ويقولون بلسان الحال: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا أي: لا جزاء ماليا ولا ثناء قوليا " انتهى .

"تفسير السعدي" (901) .

وينبغي تنبيه الناس إلى أنه إذا آل الأمر بمثل ذلك إلى أن يفعل رغبة في رضي الناس وسكوتهم عن الفاعل ، ولو لم يكن هناك دافع داخلي لديه : كان ترك مثل ذلك ـ في أقل أحواله ـ خيرا من فعله ؛ ولأجل ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه : ( نَهَى عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ أَنْ يُؤْكَلَ ) .

رواه أبو داود (3574) وصححه الألباني ، لكن أكثر الرواة رووه مرسلا .

قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْمُتَبَارِيَانِ هُمَا الْمُتَعَارِضَانِ بِفَعَلَيْهِمَا ، يُقَال تَبَارَى الرَّجُلَانِ إِذَا فَعَلَ كُلّ وَاحِد مِنْهُمَا مِثْل فِعْل صَاحِبه ، لِيُرَى أَيُّهُمَا يَغْلِب صَاحِبه .

وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّيَاء وَالْمُبَاهَاة ، وَلِأَنَّهُ دَاخِل فِي جُمْلَة مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ أَكْل الْمَال بِالْبَاطِلِ " انتهى من " عون المعبود " .

على أنه متى كان العرف السائد في البلد أو القبيلة ، يقتضي أمرا من مثل تلك المباحات ، وتكلفه المرء : ذبا عن عرضه ، ودفعا لقالة السوء عن نفسه : فلا بأس عليه بذلك ، والذب عن النفس ، ودفع التهم عنها أمر محمود ، ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلا .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب