الحمد لله.
أولا :
ابن خزيمة هو : أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، النيسابوري ، الحافظ ، إمام الأئمة ، شيخ الإسلام ، صاحب المصنفات الكثيرة ، ولد سنة (223هـ)، وتوفي سنة (311هـ)
كما في " سير أعلام النبلاء " (14/365-382) .
ثانيا :
كتابه في الحديث اشتهر بين العلماء باسم : " صحيح ابن خزيمة "، وإن كان اسمه الذي وضعه مؤلفه هو :
" مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن العدل موصولا إليه صلى الله عليه وسلم من غير قطع في أثناء الإسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار "
كما في " صحيح ابن خزيمة " (1/3) .
ويتضح من هذا الاسم الطويل شرط ابن خزيمة في صحيحه ، وأنه لا يُخرج فيه إلا حديثا صحيحا عنده ، رواته ثقات عدول ، وإسناده متصل غير منقطع ، مع التنبيه على أنه رحمه الله لا يفرق بين الحسن والصحيح ، بل يجعلهما في دائرة واحدة هي دائرة القبول .
ومن هنا يمكن الخروج بقاعدة عامة : أن جميع الأحاديث الموجودة في كتاب " صحيح ابن خزيمة " هي صحيحة عنده رحمه الله ، إلا ما نص فيه على تضعيفه ، أو نص على التوقف فيه ، أو التردد في حكمه ، وذلك أنه رحمه الله قال :
" إلا ما نذكر أن في القلب من بعض الأخبار شيء إما لشك في سماع راو مِن فوقه خبرا، أو راو لا نعرفه بعدالة ولا جرح ، فنبين أن في القلب مِن ذلك الخبر، فإنا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه ، فالله الموفق للصواب " انتهى
" صحيح ابن خزيمة " (3/186)
ولحرص ابن خزيمة رحمه الله على إخراج الحديث الصحيح في نقده ونظره : اهتم العلماء بكتابه ، وعدوه من مظان الحديث الصحيح :
قال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله :
" ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الصحيحين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة ... ويكفي كونه موجودا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ، ككتاب ابن خزيمة " .
" مقدمة ابن الصلاح " (ص/17)
وقال الحافظ السيوطي رحمه الله :
" صحيح ابن خزيمة أعلى مرتبة من صحيح ابن حبان لشدة تحريه ، حيث إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد ، فيقول مثلا : باب كراهة كذا إن صح الخبر ، أو إن ثبت كذا ..." انتهى.
" تدريب الراوي (1/109) .
ثالثا :
تصحيح ابن خزيمة للحديث لا يعني أن الحديث صحيح عند جميع العلماء ، لأن مثل هذه المسائل مبناها على النظر والاجتهاد ؛ فما يراه ابن خزيمة صحيحا ، قد يخالفه فيه غيره من أهل العلم ويرى تضعيفه ، وعدم صلاحيته للاحتجاج ، لقيام العلة القادحة في نظره .
ولذلك علق الحافظ ابن حجر رحمه الله على كلام ابن الصلاح السابق :
" حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها ، لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ، ما لم يظهر في بعضها علة قادحة " انتهى.
" النكت على ابن الصلاح " (1/291)
ويقول الدكتور محمد مصطفى الأعظمي حفظه الله :
" صحيح ابن خزيمة ليس كالصحيحين بحيث يمكن القول إن كل ما فيه هو صحيح ، بل فيه ما هو دون درجة الصحيح ، وليس مشتملا على الأحاديث الصحيحة والحسنة فحسب ، بل يشتمل على أحاديث ضعيفة أيضا ، إلا أن نسبتها ضئيلة جدا إذا قورنت بالأحاديث الصحيحة والحسنة ، وتكاد لا توجد الأحاديث الواهية أو التي فيها ضعف شديد إلا نادرا " انتهى.
" صحيح ابن خزيمة " تحقيق الأعظمي (1/22) .
وينظر : مناهج المحدثين ، لفضيلة الشيخ الدكتور سعد الحميد ، حفظه الله ، (ص/46) .
والحاصل : أن العامي أو طالب العالم أو العالم الذي لا يجد الوقت الكافي للاجتهاد ، إذا قلدوا الإمام ابن خزيمة في الأخذ بالأحاديث التي أخرجها في كتابه : جاز لهم ذلك ، ولا حرج عليهم ، فهو إمام مجتهد أهل للتقليد .
أما العالم الذي أتيح له الاجتهاد في علم الحديث ، أو طالب العلم المتخصص الذي أتيحت له أدوات البحث في ذلك الباب : ففرضه البحث والتنقيب عن مدى انطباق شروط القبول على الحديث المعين الذي الإمام ابن خزيمة في صحيحه .
والله أعلم .
تعليق