الحمد لله.
الجلود التي يُصنع منها كرة القدم أو السلة لا يمكن أن تكون إلا مدبوغة ، والدباغة هي : معالجة الجلود بمنظفات ومطهرات ليزول ما بها من نتن وفساد ورطوبة ، وهذا ما نراه في واقع الحال ، ولمعرفة حكم شراء تلك الأشياء ينبغي معرفة الحيوان الذي صنعت من جلده ، وهو لا يخلو من أن يكون جائزاً أكله ، أو لا يحل أكله .
أ. فإن كانت تلك الأشياء مصنوعة من جلد حيوان مأكول اللحم – كالبقر - : فإن الدباغة تبيح جلده ، ولو أنه ذُبح بالشروط الشرعية لما احتاج إلى دباغة ، أما وقد ذبحوه مخالفين لشرع الله تعالى : فإنه يكون ميتة ، ولا تباح جلد ميتة مأكول اللحم إلا بالدباغة .
ب. وإن كانت تلك الأشياء مصنوعة من جلد حيوان غير مأكول اللحم أصلاً – كالخنزير - : فإن جلده محرَّم استعماله ولو دُبغ .
فالحيوان المأكول اللحم : تحل الذكاة لحمه وجلده ، وتحل الدباغة جلده إن كان ميتة .
والحيوان غير مأكول اللحم : لا تحل الذكاة لحمه وجلده ، ولا تحل الدباغة جلده .
وهذا هو مذهب الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وأبي ثور وإسحق بن راهويه ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أحد قوليه .
انظر : " شرح مسلم للنووي " (4 / 54 ) – وقد ذكر – رحمه الله – سبعة مذاهب في المسألة - ، " الفروع " لابن مفلح ( 1 / 102 ) ، " مجموع الفتاوى " لابن تيمية ( 21 / 95 ) .
واختار هذا القول : جمع من العلماء المعاصرين .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
وقيل : إن جلد الميتة يطهر بالدباغ بشرط أن تكون الميتة مما تُحله الذكاة ، وأما ما لا تحله الذكاة : فإنه لا يطهر ، وهذا القول هو الراجح ، وعلى هذا : فجلد الهرة وما دونها في الخِلقة لا يطهر بالدباغ .
فمناط الحكم هو على طهارة الحيوان في حال الحياة ، فما كان طاهراً : فإنه يباح استعمال جلد ميتته بعد الدبغ في يابس ، ولا يطهر على المذهب ، وعلى القول الثاني : يطهر ، وعلى القول الثالث : يطهر بالدباغ إذا كانت الميتة مما تحله الذكاة .
والراجح : القول الثالث ، بدليل أنه جاء في بعض ألفاظ الحديث : " دباغها ذكاتها " - رواه النسائي ( 4243 ) ، وصححه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " ( 1 / 49 ) - فعبَّر بالذكاة ، ومعلوم أن الذكاة لا تطهِّر إلا ما يباح أكله ، فلو أنك ذبحتَ حماراً وذكرتَ اسم الله عليه وأنهر الدم : فإنه لا يسمَّى ذكاة.
وعلى هذا نقول : جلد ما يحرم أكله ، ولو كان طاهراً في الحياة : فإنه لا يطهر بالدباغ ، والتعليل : أن الحيوان الطاهر في الحياة إنما جُعل طاهراً لمشقة التحرز منه لقوله صلى الله عليه وسلم " إنها من الطوافين عليكم والطوافات " - أي : الهرة ، والحديث رواه الترمذي ( 92 ) وأبو داود ( 75 ) والنسائي ( 68 ) وابن ماجه ( 368 ) وصححه البخاري والترمذي والدارقطني والعقيلي كما قال ابن حجر في " التلخيص الحبير " ( 1 / 41 ) - وهذه العلة تنتفي بالموت ، وعلى هذا يعود إلى أصله وهو النجاسة ، فلا يطهر بالدباغ .
فيكون القول الراجح : كل حيوان مات وهو يؤكل : فإن جلده يطهر بالدباغ ، وهذا أحد قولي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وله قول آخر يوافق قول مَن قال : إن ما كان طاهراً في الحياة : فإن جلده يطهر بالدبغ .
" الشرح الممتع " ( 1 / 74 ، 75 ) .
والخلاصة :
أنه يجوز لك شراء كرة القدم أو كرة السلة المصنوعتين من جلد حيوان مأكول اللحم ، وما ذبح منها بغير الطريقة الشرعية ، أو مات حتف أنفه من غير ذكاة أصلاً ، فإن دباغة جلودها تجعلها طاهرة ، لحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( دباغ جلود الميتة طهورها ) . رواه ابن حبان (1290) والدارقطني (25) ، ، وصححه الألباني.
وانظر جوابي السؤالين : ( 9022 ) و ( 1695 ) .
والله أعلم
تعليق