الحمد لله.
هو الصحابي الجليل حذيفة بن حِسْل - ويقال حُسيل - بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروة بن الحارث بن مازن بن قطيعة بن عبس، العبسي القطيعي ، حليف لبني عبد الأشهل من الأنصار .
وأمه امرأة من الأنصار من الأوس من بني عبد الأشهل واسمها الرباب بنت كعب بن عبد الأشهل .
"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (1 / 98-99)
كان أبوه " حِسْل " قد أصاب دما، فهرب إلى المدينة فحالف بني عبد الأشهل فسماه قومه اليمان لكونه حالف اليمانية ، وتزوج والدة حذيفة فولد له بالمدينة ، وأسلم حذيفة وأبوه ، وأرادا شهود بدر فصدهما المشركون ، وشهدا أحدا فاستشهد اليمان بها .
وروى حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير ، وعن عمر ، روى عنه جابر وجندب وعبد الله بن يزيد وأبو الطفيل، وغيرهم من الصحابة ، ومن التابعين ابنه بلال وربعي بن خراش وزيد بن وهب وزر بن حبيش وأبو وائل وغيرهم . قال العجلي : " استعمله عمر على المدائن فلم يزل بها حتى مات بعد قتل عثمان وبعد بيعة علي بأربعين يوما " وذلك في سنة ست وثلاثين .
"الإصابة في تمييز الصحابة" (2 / 44) – "التهذيب" (2/193)
هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الهجرة والنصرةَ فاختار النصرة .
وهو صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين ، لم يعلمهم أحد إلا حذيفة ؛ أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسأله عمر : أفي عمالي أحد من المنافقين ؟ قال : نعم ، واحد . قال : من هو ؟ قال : لا أذكره . قال حذيفة : فعزله ، كأنما دُلّ عليه .
وكان عمر إذا مات رجل يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر ، وإن لم يحضر حذيفة الصلاة عليه لم يحضر عمر .
وشهد حذيفة الحرب بنهاوند ، فلما قتل النعمان بن مقرن أمير ذلك الجيش أخذ الراية ، وكان فتح همذان ، والري ، والدينور على يده ، وشهد فتح الجزيرة ، ونزل نصيبين ، وتزوج فيها.
"أسد الغابة" (ص 248)
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله :
" شهد اليمان وابنه حذيفةُ أُحُدا ، فاستشهد يومئذ ، قتله بعض الصحابة غلطا ، ولم يعرفه ; لأن الجيش يختفون في لأمة الحرب ، ويسترون وجوههم ; فإن لم يكن لهم علامة بينة ، وإلا ربما قتل الأخ أخاه ولا يشعر .
ولما شدوا على اليمان يومئذ بقي حذيفة يصيح : أبي ! أبي ! يا قوم ! فراح خطأ .
فتصدق حذيفة عليهم بديته .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أَسَرَّ إلى حذيفة أسماء المنافقين ، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأمة .
وقد ناشده عمر: أأنا من المنافقين ؟ فقال : لا ، ولا أزكي أحدا بعدك .
وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو ، وعلى يده فتح الدينور عنوة . ومناقبه تطول رضي الله عنه " انتهى .
"سير أعلام النبلاء" (2 / 362-364)
وروى مسلم (1787) عنه رضي الله عنه قَالَ : مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا : إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا : مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ . فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ : ( انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ )
وروى البخاري (4065) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ فَصَاحَ إِبْلِيسُ : أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ ! فَرَجَعَتْ أُولَاهُمْ فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ ( أي وهم يظنون أنهم من العدو ) فَنَظَرَ حُذَيْفَةُ فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ فَقَالَ : أَيْ عِبَادَ اللَّهِ أَبِي أَبِي ! فَوَاللَّهِ مَا احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ . فَقَالَ حُذَيْفَةُ : غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ .
وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ :
" وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ : أَبِي ! فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ، وَصَدَقُوا!! قَالَ حُذَيْفَةُ : يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ . فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ، فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا "
"سيرة ابن هشام" (2 / 86)
- وروى مسلم (1788) عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال : لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْأَحْزَابِ وَأَخَذَتْنَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا رَجُلٌ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) فَسَكَتْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنَّا أَحَدٌ – كل ذلك ثلاث مرات – ثم قال في الثالثة : ( قُمْ يَا حُذَيْفَةُ فَأْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ ) فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا إِذْ دَعَانِي بِاسْمِي أَنْ أَقُومَ . قَالَ : ( اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَلَا تَذْعَرْهُمْ عَلَيَّ ) فَلَمَّا وَلَّيْتُ مِنْ عِنْدِهِ جَعَلْتُ كَأَنَّمَا أَمْشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيْتُهُمْ ... )
وفيه فضيلة ظاهرة لحذيفة رضي الله عنه حيث اختاره النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة الصعبة وفي هذا الخوف والبرد الشديد .
وفيه كرامة ظاهرة له رضي الله عنه : أَنَّهُ لَمْ يَجِد الْبَرْد الَّذِي يَجِدهُ النَّاس . وَلَا مِنْ تِلْكَ الرِّيح الشَّدِيدَة شَيْئًا ; بَلْ عَافَاهُ اللَّه مِنْهُ بِبَرَكَةِ إِجَابَته لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَذَهَابه فِيمَا وَجَّهَهُ لَهُ , وَدُعَائِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ , وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ اللُّطْف بِهِ، وَمُعَافَاته مِنْ الْبَرْد، حَتَّى عَادَ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَلَمَّا رَجَعَ وَوَصَلَ عَادَ إِلَيْهِ الْبَرْد الَّذِي يَجِدهُ النَّاس , وَهَذِهِ مِنْ مُعْجِزَات رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . راجع "شرح النووي على مسلم" (12/146) .
- وكان رضي الله عنه يحترز لدينه ، ويحتاط لنفسه ، ويسأل عن الشر ليتقيه .
روى البخاري (3606) ومسلم (1847) عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال : " كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي " .
- ولذلك كان رضي الله عنه أعلم الناس بالفتن الكائنة إلى يوم القيامة :
فروى مسلم (2891) عنه قال : " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ ، وَمَا بِي إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي ، وَلَكِنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيهِ عَنْ الْفِتَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَعُدُّ الْفِتَنَ : ( مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا ، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ ) قَالَ حُذَيْفَةُ : فَذَهَبَ أُولَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي "
وروى البخاري (6604) ومسلم (2891) عنه قَالَ : " قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامًا مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ " .
- أما معنى " حذيفة " من جهة العربية : فقال ابن دريد في "جمهرة اللغة" (1 / 256) :
" وأما تسميتهم حُذَيْفة فهو تصغير حِذْفَة وهي قطعة تحذِفها من لحم أو غيره ، أو تصغير حَذَفَة ، والحَذَف ضرب من البطّ صغار الجُروم شُبِّه بالحَذَف " انتهى .
وينظر أيضا: الاشتقاق لابن دريد . (82/118)
وقد أحسنت صنعا في عزمك على تسميتك ابنك باسم صحابي جليل ، وهذا مما غاب عن كثير من الناس الذين استحسنوا التسمية بأسماء مبتذلة أو مكروهة في الشرع أو محرمة .
والله تعالى أعلم .
وللاستزادة : راجع جواب السؤال رقم (7180) .
تعليق