الحمد لله.
فضل الحج في تكفير الذنوب
ما قرأته من أن الحج يكفر الذنوب الكبائر كلها قد اختلف فيه العلماء، والذي نرجوه أن الله تعالى يكفر بالحج المبرور جميع الذنوب الصغائر والكبائر، وفضل الله تعالى واسع.
ما هي الذنوب التي لا يكفرها الحج؟
والذي يكفره الحج هو الذنوب المتعلقة بحق الله تعالى، أما ما يتعلق بحق العباد فلا يُسقطها الحج - ولا الجهاد، ولا الهجرة، ولا غير ذلك من الطاعات، بل حتى حقوق الله تعالى، كقضاء الصيام، أو نذر، أو كفارات، لا يسقطها الحج ولا غيره من الأعمال الصالحة، وكلا الأمرين متفق عليه بين العلماء من غير خلاف، وسبق بيان ذلك في جواب سؤال بعنوان "الحج لا يسقط الحقوق الواجبة كالكفارات والديون"، وفيه:
"ورد في فضل الحج أحاديث كثيرة تدل على أنه يمحو الذنوب، ويكفر السيئات، ويرجع منه الإنسان كيوم ولدته أمه... لكن هذا الفضل والثواب لا يعني سقوط الحقوق الواجبة، سواء كانت حقوقا لله تعالى، كالكفارات والنذور، وما ثبت في ذمة الإنسان من زكاة لم يؤدها، أو صيام يلزمه قضاؤه، أو كانت حقوقاً للعباد كالديون ونحوها، فالحج يغفر الذنوب، ولا يسقط هذه الحقوق باتفاق العلماء...".
بل حتى التوبة، تكفر الذنب، ولكنها لا تسقط تلك الحقوق.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
فيمن تركَ الصلاةَ عامداً أو غيرَ عامدٍ، ووجبتْ عليه الزكاةُ ولم يُزَك، وعاق والديه، وقَتَلَ نفسًا خطأ، وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَن حج هذا البيتَ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ خرجَ من ذنوبِه كيومِ وَلَدتْه أمُّه وقد قصدَ الحج، فهل يُسْقِط هذا جميعَه ومَظالِمَ العباد؟
فأجاب:
"أجمعَ المسلمون أنه لا يَسقُط حقوقُ العباد كالدَّيْن ونحوِ ذلك، ولا يَسقُط ما وجب عليه من صلاةٍ، وزكاةٍ، وصيامٍ، وحق المقتول عليه، وإن حجَّ، والصلاة التي يَجبُ عليه قضاؤُها: يَجبُ قضاؤُها، وإن حَج، وهذا كلُّه باتفاق العلماء" انتهى. "جامع المسائل" (4/123).
فإذا حج القاتل، فلا يكفر الحج عنه حق المقتول، ولكن إن تاب توبة نصوحاً فإن الله تعالى يتفضل عليه، ويُرضي المقتول من عنده.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"القاتل إذا كثرت حسناته: أُخذ منه بعضُها ما يرضى به المقتول، أو يعوضه الله من عنده إذا تاب القاتل توبةً نصوحاً" انتهى. "مجموع الفتاوى" (34/138).
وقال ابن القيم رحمه الله:
"والتحقيق في المسألة: أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للمظلوم المقتول، وحق للولي.
فإذا سلَّم القاتل نفسه طوعاً واختياراً إلى الولي ندماً على ما فعل، وخوفاً من الله، وتوبة نصوحاً: يسقط حق الله بالتوبة، وحق الولي بالاستيفاء، أو الصلح، أو العفو.
وبقي حق المقتول: يعوضه الله عنه يوم القيامة عن عبده التائب المحسن، ويصلح بينه وبينه، فلا يبطل حقُّ هذا، ولا تَبطل توبةُ هذا" انتهى. " الجواب الكافي" (ص 102).
وبمثله قال الشيخ العثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع على زاد المستقنع" (14 / 7).
لمزيد من الإيضاح راجع قراءة الأجوبة التالية: (264534، 65649، 138630، 34359، 41811، 147017).
والله أعلم
تعليق