الحمد لله.
أولا :
ليس من شك في أن ما فعلته ـ أنت وهذه الفتاة ـ خطيئة عظيمة ، قد كنتما في غنى عنها ، لولا ما فتحتما على أنفسكما من أبواب الشر ، والعلاقات المحرمة ، والتي انتهت بما ذكرت في سؤالك : نهاية خاطئة جدا جدا .
ومن فضل الله أن يمن عليكما بالتوبة النصوح من تلك الخطيئة ، ومن سائر الذنوب والخطايا ،ولكن ليس من الشرع ولا العقل في شيء أن تترك النار بجوار الحطب ، ثم تبكي على الحريق الذي تسببت فيه من قبل ؛ إنك بالاستمرار في هذه العلاقة تتيح نفس الفرصة لحرائق أخرى ، مهما زعمت من ندمك وتوبتك على فعلتك السابقة !!
إن تردد الفتاة على بيتكم خطأ فادح ، لا سيما وأهلها لا يعرفون ؛ فما صفتكم ، وما علاقتكم الشرعية حتى تتردد عليكم فتاة أجنبية عنكم ، خاصة وقد كان منكما ما كان ، وما زلتما متعلقين ببعضكما ، ولا قيمة لسماح أمك ولا سماح أبيك لك ببقاء علاقتك مع هذه الفتاة .
ثانيا :
الواجب عليكما الآن ، وفورا ، أن تتوقفا عن هذه العلاقة المحرمة ، وهذا من تمام توبتكما ، إن كنتما صادقين في التوبة حقا ، وأن تطويا صفحة الإثم بتوبة نصوح إلى الله جل جلاله ، مع الاستكثار من الخيرات ، والأعمال الصالحات : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ) هود/114 .
ثالثا :
وأما بخصوص زواجك بها ، فإن صدقت توبتك وتوبتها : فلا حرج عليكما في بدء صفحة جديدة ، نظيفة ، بالنكاح الشرعي بينكما ، واعلم أنكما لستما صغيرين على النكاح ، بل بإمكانكما أن تتزوجا فعلا من الآن ، وهذا لا إشكال فيه من الناحية الشرعية .
وبإمكانكما ـ أيضا ـ أن تتزوجا فعلا ، حتى قبل أن تجدا ـ أنت وهي ـ عملا تنفقان منه على أنفسكما ، إذا كان هناك من يقوم بكفالتكما ، ويساعدكما في النفقات ؛ فالواقع أن تدبير العمل لن يكون هو المشكلة الكبيرة التي تواجهكما .
رابعا :
لا يشترط في زواجك بهذه الفتاة ـ أو غيرها ـ أن يوافق والداك أنت ، وإن كان ذلك أمرا طيبا مطلوبا ، فالرجل يتولى نكاح نفسه ، ونكاح غيره ، وليس لأبوية ولاية عليه في النكاح ، متى كان بالغا عاقلا .
لكن المشكلة ـ حقا ـ هي في موافقة أسرة الفتاة على النكاح ؛ فبدون موافقة والد الفتاة على النكاح : لن يكون النكاح شرعيا ، ولا مقبولا :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ )
رواه أبو داود (2083) والترمذي (1102) وغيرهما ، وصححه الألباني .
وينظر جواب السؤال رقم (2127) ورقم (20213) .
والواجب عليك الآن : أن تسعى في إقناع والدها بالموافقة على زواجك من ابنته ، وأن يكون سعي الشخصيات المتدينة ، والتي أشرت إليها في سؤالك ، من الآن ، وليس بعد سنة ولا سنتين ؛ فإن كان هناك ما يمنع من السعي الآن ، ولم تجد من يؤثر على والد الفتاة لإتمام الزواج الآن ، أو حتى الخطبة ، فليس عليك إلا أن تصبر مدة أخرى ، حتى يمكن إقناع أسرتها بذلك .
فإن تعذر ذلك ، ولم يمكن إقناع أسرتها بالموافقة على زواجك من هذه الفتاة ، فليس لك أن تعالج خطأك بخطأ آخر فتكون كالمستجير من الرمضاء بالنار!!
يسر الله لكما ، ولسائر المسلمين ، سبيل التوبة النصوح ، والعمل على مرضاة الله ، واجتناب ما يسخطه سبحانه .
خامسا :
دعوة أمك إلى الإسلام هي من أعظم ما يجب عليك تجاهها ، ومن أعظم حقوقها عليك ، وليس هناك أمر تحسن به إليها ، وتبرها به أعظم من أن تتلطف في دعوتها إلى دين الإسلام ، والسعي في هدايتها بكل سبيل ، والدعاء لها في صلواتك وكل أوقاتك أن يشرح الله صدرها للإسلام ، وأن يهدي قلبها له ، فلا تتأخر عن ذلك ، ولا تتكاسل عنه لحظة ، ولا تؤجله إلى وقت آخر ؛ بل بادر الفرصة قبل فواتها .
والله أعلم .
تعليق