الحمد لله.
سبق في جواب السؤال رقم : (130353) بيان جواز التصوير للحاجة أو الضرورة ، وأن ذلك مستثنى من أحاديث النهي عن التصوير لمكان الحاجة .
فإذا وجدت الحاجة الفعلية لهذا التصوير الوارد في السؤال ، كأن يكون في ذلك حافز للتصدق ، أو يكون فيه زوال شكوك تدخل في نفوس المتبرعين ، أو يكون فيه دعوة لفعل الخير والمسارعة إليه ونحو ذلك : فلا بأس به .
أما إذا لم توجد الحاجة الفعلية لذلك ، ولم يكن في هذا التصوير إلا مزيد اطمئنان القلب للمتبرعين ، فليس لكم أن تصوروا المستفيدين من المساعدات وهم يأخذونها ، وذلك لوجوه :
أولها :
انتفاء الحاجة الفعلية أو الضرورة الحقيقية ، والتي لا يشرع ، بل لا يجوز- على الصحيح – التصوير إلا بوجودها .
ثانيا :
التقاط هذه الصور لأولئك المساكين ونشرها بين الناس ، مع انتفاء الحاجة الشرعية لذلك ، قد يكون فيه أذى بليغ لهم ؛ وقد قال الله عز وجل : ( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ) البقرة / 263
قال الطبري رحمه الله في "تفسيره" (5 / 520) :
" قولٌ جميل ، ودعاءُ الرجل لأخيه المسلم ، وسترٌ منه عليه لما علم من خَلَّته وسوء حالته ، خير عند الله من صدقة يتصدقها عليه ( يتبعها أذى ) ، يعني يشتكيه عليها ، ويؤذيه بسببها " انتهى
ثالثا :
قد يؤثر ذلك على إخلاص المتصدق بما يخل به أو ينقصه ، حيث لم تكن هناك مصلحة راجحة ، وقد قال الله تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ) [البقرة : 271]
قال ابن كثير رحمه الله :
" فيه دلالة على أن إسرار الصدقة أفضل من إظهارها ؛ لأنه أبعد عن الرياء ، إلا أن يترتب على الإظهار مصلحة راجحة ، من اقتداء الناس به ، فيكون أفضل من هذه الحيثية .
والأصل أن الإسرار أفضل لهذه الآية ، ولما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... الحديث ، وفيه : ( ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (1 / 701-702)
وقال الترمذي رحمه الله في "جامعه" (5/180) :
" صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية ، وإنما معنى هذا عند أهل العلم لكي يأمن الرجل من العُجب ؛ لأن الذي يسر العمل لا يخاف عليه العجب ما يخاف عليه من علانيته " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"من تمام الإخلاص : أن يحرص الإنسان على ألا يراه الناس في عبادته ، وأن تكون عبادته مع ربه سراً ، إلا إذا كان في إعلان ذلك مصلحة للمسلمين أو للإسلام ... فإذا كان السر أصلح وأنفع للقلب وأخشع وأشد إنابة إلى الله أسروا ، وإذا كان في الإعلان مصلحة للإسلام بظهور شرائعه ، وللمسلمين ؛ يقتدون بهذا الفاعل ، وهذا العامل : أعلنوه " انتهى من"مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (3/ 165) .
فإذا لم تكن هناك مصلحة راجحة لإظهار الصدقة : كان إخفاؤها أفضل من إعلانها ، وقد ثبت في الحديث أن ( صدقة السر تطفئ غضب الرب ) رواه الطبراني في "الأوسط" (943) وصححه الألباني في "الصحيحة" (1908) .
والله تعالى أعلم .
وينظر جواب السؤال رقم : (135634)
تعليق