الحمد لله.
أولا :
ورد عن علي رضي الله عنه أنه قال : اللهم لا تحوجني إلى أحد من خلقك . قال : فسمعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لا تقل هكذا ، بل قل : اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك ، الذين إذا أعطوا مَنُّوا ، وإذا منعوا عابوا .
وقد جاء هذا الحديث من طريق أسد بن موسى ، ثنا خالد بن عبد الله القسري ، ثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فذكر الحديث .
وخالد بن عبد الله القسري لم يوثقه أحد في الرواية ، بل قال العقيلي رحمه الله : " لا يتابع على حديثه ، وله أخبار شهيرة ، وأقوال فظيعة ، ذكرها ابن جرير ، وأبو الفرج الأصبهانى ، والمبرد ، وغيرهم " انتهى.
" تهذيب التهذيب " (3/102)
وهذا كاف في إسقاط الحديث ورده ، فكيف إذا اجتمع إلى ذلك ضعف الأسانيد التي روي بها عن أسد بن موسى ، وقد روي عن أسد بن موسى من طريقين :
الطريق الأول : يرويه أحمد بن سعيد بن فرضخ الإخميمي المصري الكذاب في كتابه : " الاحتراف " – كما في " لسان الميزان " للحافظ ابن حجر (1/178) - قال ابن فرضخ : حدثنا يوسف بن زيد هو القراطيسي ، ثنا أسد بن موسى ، فذكره .
وأحمد بن سعيد بن فرضخ هذا قال فيه الدارقطني رحمه الله : روى ...أحاديث في ثواب المجاهدين والمرابطين والشهداء موضوعة كلها وكذب ، لا تحل روايتها ، والحمل فيها على ابن فرضخ ، فهو المتهم بها ، فإنه كان يركب الأسانيد ، ويضع عليها أحاديث .
انظر: " لسان الميزان " (1/178)
الطريق الثاني : يرويه أبو محمد ابن حيان في " طبقات المحدثين بأصبهان " (3/512)، وعنه أبو نعيم الأصبهاني في " أخبار أصبهان " (1/219) ـ ترقيم الشاملة ـ قال ابن حيان : حدثنا عبد الله بن عبد السلام بن بندار ، قال ثنا بحر بن نصر ، قال ثنا أسد بن موسى ...فذكره .
وعبد الله بن عبد السلام بن بندار : لم نقف على جرح ولا تعديل فيه ، فلا تقبل منه روايته .
والحاصل : أن هذا الحديث كذب لا أصل له ، لا تجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يجب التحذير منه ، وبيان كذبه .
ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وهو حديث لا أصل له " انتهى.
" لسان الميزان " (1/178)
ومثله حكم عليه الفتني في " تذكرة الموضوعات " (ص/58)
وقال ابن عراق رحمه الله :
" قال السيوطي : لكن هذا الحديث أخرجه الديلمي من طريق أبي نعيم بسند ليس فيه ابن فرضخ .
قلت – أي ابن عراق - : المتابع لابن فرضخ عبد الله بن عبد السلام بن بندار : لم أقف له على ترجمة " انتهى.
" تنزيه الشريعة " (1/414)
وقال العجلوني رحمه الله :
" قال ابن حجر المكي – نقلا عن الحافظ السيوطي - : إنه موضوع " انتهى باختصار.
" كشف الخفاء " (1/188)
ثانيا :
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن حديث عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيضا ، أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ :
إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي .
قَالَ : أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ؟
قَالَ : قُلْ : اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ .
رواه الترمذي (رقم/3563) وقال : حسن غريب . وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (رقم/266) .
وهذا يدل على جواز الدعاء باللفظ الوارد في السؤال : ( وأغنني بفضلك عمن سواك ) والذي أنكرته هذه القصة المكذوبة ، وهو مما يؤكد بطلانها .
والله أعلم .
تعليق