الحمد لله.
أولاً:
جعل الله تعالى دين محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأديان ، وأرسل نبيه محمَّداً صلى الله عليه وسلم للعالَمين جميعاً ، فمن دخل في هذا الدين نجا وسعد ، ومن أبى الدخول فيه كان كافراً وفي جهنم خالداً ، ومهما كان متبعاً لدينه ، أو مؤمنا برسول ، فإن ذلك لم يعد ينفعه شيئا ، بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/ 85 , ولهذا خاطب الله تعالى الناس عموماً بالدخول في الإسلام ، وخاطب أهل الكتاب بذلك حتى لا يتصور أحدهم أنه ناجٍ باتباعه لنبيه ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ) النساء/ 47 .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحكم في صريح القول كما جاء في صحيح الحديث ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ؛ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ) .
رواه مسلم (153) .
قال النووي – رحمه الله - :
فيه نسخ الملل كلها برسالة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، وفي مفهومه دلالة على أن من لم تبلغه دعوة الإسلام فهو معذور ، وهذا جار على ما تقدم في الأصول : أنه لا حكم قبل ورود الشرع على الصحيح ، والله أعلم .
وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ) أي : من هو موجود فى زمني وبعدي إلى يوم القيامة ، فكلهم يجب عليهم الدخول فى طاعته ، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على مَن سواهما ؛ وذلك لأن اليهود النصارى لهم كتاب فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى .
" شرح مسلم " ( 2 / 188 )
ولم يُجمع المسلمون على كفر من لم يدخل الإسلام ممن بلغته الرسالة وهو من المكلفين فحسب : بل قد أجمعوا على كفر من لم يكفِّر ذلك الكافر ، أو شك في كفره .
وانظري في ذلك جواب السؤال رقم ( 6688 (.
ثانياً:
وأما بخصوص حكم أخيك فإنه يختلف تبعاً لطبيعة مرضه : فإن كان مرض " انفصام الشخصية " – الفصامي ـ ، Schizophrenia ، وهو مرض عقلي لكن أهله يتفاوتون في درجاتهم فيه- إن كان ذلك المرض لا يؤثر في عقله ، بما لا يرفع عنه التكليف : فإنه يجب عليه الدخول في الإسلام ، وإن لم يدخل فيه كان حكمه حكم سائر الكفار في الدنيا والآخرة .
وأما إن كان مرض " انفصام الشخصية " يذهب عقله وفهمه تماما ، فهذا على حالين :
الأول : أن يكون ذلك المرض طارئاً عليه بعد أن كان بالغاً عاقلاً ، فهنا لا يكون معذوراً بذلك المرض ؛ لأنه كان مخاطباً ومكلَّفاً قبل مرضه .
الثاني : أن يكون ذلك المرض مصاحِباً له من أول حياته ، أو على الأقل حدث له قبل سن البلوغ ، واستمر معه هكذا في أوقاته كلها ، فهنا يقال : إن مات وهو مصاب به قبل أن يشفى : لم يكن مكلفا ، ولا مسؤولا عن أفعاله ، لا في الدنيا ، ولا في الآخرة . وإنما يختبره الله تعالى يوم القيامة ، لأن من تمام رحمته بعباده ألا يعذب أحدا حتى يبلغه أمر الدين والرسالة ، في حالة يكون عاقلا لها ، وفاهما لما يأتيه من الخطاب . قال تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) الإسراء/ 15 .
وعن الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَعَةٌ يحتجون يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الإِسْلامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلامًا (
وفي رواية : ( فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا . (
رواه الإمام أحمد ( 26 / 228 ) وابن حبان ( 16 / 356 ) وصححه ، وصححه الألباني في " صحيح الجامع : (883) .
وينظر ذلك في جواب السؤال رقم ( 1244.(
والله أعلم .
تعليق