الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

كانت تلح على طلب الطلاق من زوجها لعلمها أنه لن يفعل فقال لها : أنت طالق

148199

تاريخ النشر : 28-07-2010

المشاهدات : 15923

السؤال


هل وقع الطلاق في حالتي الآتي شرحها أم لا ؟ 1. احتد الحديث بينى وبين زوجى ذات مرة إلى درجة كبيرة ، وفى خضم الغضب طلبت من زوجى الطلاق عدة مرات ، وكان لايريد ذلك لكنى كنت أعرف أنه لن يطلقنى ، ولم أنو مطلقا الطلاق ، ولم أتوقع حصوله والله يعلم بذلك ، لكنى بعد أن طلبت هذا الطلب مرتين أو ثلاث مرات قال : حسنا ، أنت طالق ، وقال : إنه قالها لأنى طلبت منه ذلك . فهل وقع هذا الطلاق ؟

2. قال زوجى ذات مرة أنا أطقطقك ، بدلا من أطلقك ، وقال : إنه لم ينو أن يقول ذلك مطلقا ، وبعدها بيومين قال : أنا أطلقك ثانية ، وقال : إنه لم يقصد وقوع الطلاق ، وقد قلت له بأنه يأثم سواء نوى أم لا وأنه ربما يعد طلاقا ، فقال : بأنه مذنب ، وبأنه لم يكن يعرف ، وسيكون حريصا فى المستقبل ، فهل يعد هذا طلاقا أم لا ؟

ملخص الجواب

والحاصل : أن الطلقة الأولى المذكورة في السؤال واقعة عليك ، واللفظان الآخران : لا يقع بهما طلاق ، إلا إن كان الزوج قد نوى بذلك طلاقا . والله أعلم .

الجواب

الحمد لله.


أولا :
مما ينبغي أن يعلم أن الطلاق شرع من شرائع الله ، وحد من حدوده التي بينها لعباده ، هداية لهم ، لما فيه مصالح معاشهم ومعادهم ، وحذر عباده من تعديها ، أو التلاعب بها ؛ فقال تعالى ، في معرض بيان الطلاق وأحكامه لعباده : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) البقرة/229- 230 .
وقال تعالى أيضا ، في أول سورة الطلاق : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ) الطلاق/1 .
فقد بين الله تعالى أن مخالفة أحكامه التي شرعها لعباده هو تعد من العباد لما أحل الله لهم ، وظلم لأنفسهم بفعلهم ذلك .
وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من عبث العابثين ، ولعب اللاعبين بهذا الحد من حدود الله ؛ فاللعب له بابه ومجاله ، والجد والشرع له ما يليق به من التوقير والتعظيم :
روى النسائي في سننه (3348) عن مَحْمُود بْن لَبِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : " أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا ، فَقَامَ غَضْبَانًا ، ثُمَّ قَالَ : ( أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟!! ) ، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا أَقْتُلُهُ ؟!" .

 

وعَنْ أَبِى مُوسَى رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَلْعَبُونَ بِحُدُودِ اللَّهِ : طَلَّقْتُكِ ، رَاجَعْتُكِ ، طَلَّقْتُكِ ، رَاجَعْتُكِ) .
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (7/322) وحسنه الألباني .

 

ثانيا :
إذا قال لك زوجك باللفظ الصريح : أنت طالق ، فقد وقعت عليك هذه الطلقة ، وسواء كان جادا في ذلك أو مازحا ، لا سيما وقد أقر هو بعد ذلك بطلاقك ، بناء على رغبتك التي سبقت منك له ، بل لو قال : إنه لم يكن يريد طلاقك ، فلا عبرة بقوله ، ويحكم بطلاقك منه بهذا اللفظ الصريح .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" وإذا أتى بصريح الطلاق لزمه نواه أو لم ينوه .
قد ذكرنا أن صريح الطلاق لا يحتاج إلى نية ، بل يقع من غير قصد ، ولا خلاف في ذلك . ولأن ما يعتبر له القول يُكتفى فيه به من غير نية إذا كان صريحا فيه ، كالبيع وسواء قصد المزح أو الجد ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ) رواه أبوداود والترمذي وقال : حديث حسن . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن جد الطلاق وهزله سواء ، روي هذا عن عمر بن الخطاب و ابن مسعود ، ونحوه عن عطاء و عبيدة ، وبه قال الشافعي وأبو عبيد ، وهو قول سفيان وأهل العراق " انتهى من "المغني" (8/280) .

وأما نيتك ، وكلامك أيضا : فلا عبرة بها في أمور الطلاق مطلقا ، وإنما أمر الطلاق بيد الزوج ، لا الزوجة .

ثالثا :
ما قاله لك زوجك بعد ذلك : ( أنا أطقطقك ) ، ليس من ألفاظ الطلاق الصريحة ولا الكناية ، وذهب بعض العلماء إلى اعتبار مثل هذا اللفظ من الكنايات فيقع به الطلاق إذا نواه .
وينظر جواب السؤال رقم : (125715) .
وما دام زوجك لم ينو بهذا اللفظ الطلاق ، فلا يقع الطلاق .
وأما قوله لك : ( أنا أطلقك ) بصيغة الفعل المضارع ، الدال على الحال ، أو المستقبل ، فليس أيضا من ألفاظ الطلاق الصريحة ، بل هو كناية من كنايات الطلاق ؛ فإن كان ينوي به وقوع الطلاق : وقعت منه هذه الطلقة ، وإن لم يكن ينوي الطلاق ، لم يقع منه .
قال ابن مفلح رحمه الله :
" وصريحه لفظ الطلاق وما تصرف منه ، بغير أمر ومضارع " انتهى من "الفروع" (5/379) .
وقال البهوتي رحمه الله :
" وَالْكِنَايَةُ مَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ وَيَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الصَّرِيحِ ، وَصَرِيحُهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ ........
غَيْرُ أَمْرٍ ، نَحْوَ : طَلِّقِي ، وَغَيْرُ مُضَارِعٌ ، نَحْوَ : أُطَلِّقُكِ ..... فَلَا تَطْلُقُ بِهِ لِأَنَّهُ [ لا ] يَدُلُّ عَلَى الْإِيقَاعِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ فِي الْبُيُوع بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَلْفَاظَ الْعُقُودِ بِالْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَأنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْمُضَارِعِ : وَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُحْتَمِلًا فَإِنَّهُ يَكُون كِنَايَةً حَيْثُ تَصِحُّ الْكِنَايَةُ ، كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ ، وَيُعْتَبَرُ دَلَالَاتِ الْأَحْوَالِ ، وَهَذَا الْبَابُ عَظِيمُ الْمَنْفَعَةِ خُصُوصًا فِي الْخُلْعِ وَبَابِهِ " انتهى من "كشاف القناع" (5/245-246) ، وينظر : " حاشية الروض المربع " (6/499) .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب