الحمد لله.
أولاً:
لا نستطيع الجزم بصحة المقطع من حيث الواقع ، فلا نعلم عن مصدره شيئاً ، ومرجع معرفة ذلك والجزم به إلى أهل الاختصاص من أهل الطب ، لكننا نجزم أن ما صوِّر ليس هو الروح كما يسوِّقه بعض ناشري ذلك المقطع ؛ لأن الروح لا تُعرف كنهها ولا حقيقتها ، فمِن أين لهذا القائل أن يجزم بأن هذا تصوير لروح ذلك الشخص ؟! نعم يمكن الجزم بأن هذا هو حال البدن حين الوفاة ، لكن لا تُنسب تلك الصور أنها للروح .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
والروح لا نستطيع أن نعرف كنهها وحقيقتها ومادتها ، أما الجسد : فأصله من التراب ، ثم في أرحام النساء من النطفة ، لكن الروح لا نعرف من أي جوهر هي ؟ ولا من أي مادة ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) الإسراء/ 85 .
" لقاءات الباب المفتوح " ( مقدمة اللقاء 82 ) .
ثانياً:
الوعظ بالموت ونهاية الحياة والقبر من أساليب الدعوة الشرعية ، فقد جاء في الكتاب والسنَّة ما يدل على هذا الأسلوب في الوعظ عموماً ، وفيما ذكرناه خصوصاً ، ومن الأدلة في ذلك :
1. قوله تعالى ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/ 125 .
2. وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : وَعَظَنَا رَسُولُ الَّلهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم مَوعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَت مِنهَا العُيونُ وَوَجِلَت مِنهَا القُلوبُ ) .
رواه الترمذي (2676) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 4607 ) ، وابن ماجه ( 42 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ومن حكَم تشريع زيارة القبور " التذكير بالآخرة " ، وقد وعظ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على قبر.
قال القرطبي – رحمه الله - :
قال العلماء : ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه : أن يُكثر من ذكر هاذم اللذات ، ومفرِّق الجماعات ، وموتم البنين والبنات ، ويواظب على مشاهدة المحتضَرين ، وزيارة قبور أموات المسلمين ، فهذه ثلاثة أمور ، ينبغي لمن قسا قلبه ، ولزمه ذنبه ، أن يستعين بها على دواء دائه ، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه ؛ فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت ، وانجلت به قساوة قلبه : فذاك ، وإن عظم عليه ران قلبه ، واستحكمت فيه دواعي الذنب : فإن مشاهدة المحتضرين ، وزيارة قبور أموات المسلمين ، تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول ؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير ، وقائم له مقام التخويف والتحذير ، وفي مشاهدة من احتُضر ، وزيارة قبر من مات من المسلمين : معاينة ومشاهدة ؛ فلذلك كان أبلغ من الأول ؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( ليس الخبر كالمعاينة" – رواه أحمد ( 3 / 341 ) بسند جيِّد - رواه ابن عباس ، فأما الاعتبار بحال المحتضرين فغير ممكن في كل الأوقات ، وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات ، وأما زيارة القبور : فوجودها أسرع ، والانتفاع بها أليق وأجدر ... .
فليتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه ، ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال ، وجمعوا الأموال كيف انقطعت آمالهم ، ولم تغنِ عنهم أموالهم ، ومحا التراب محاسن وجوههم ، وافترقت في القبور أجزاؤهم ، وترمل من بعدهم نساؤهم ، وشمل ذل اليتم أولادهم ، واقتسم غيرهم طريفهم وتلادهم ، وليتذكر ترددهم في المآرب ، وحرصهم على نيل المطالب ، وانخداعهم لمواتاة الأسباب ، وركونهم إلى الصحة والشباب ، وليعلم أن ميله إلى اللهو واللعب كميلهم ، وغفلته عما بين يديه من الموت الفظيع ، والهلاك السريع ، كغفلتهم ، وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم ، وليحضر بقلبه ذكر من كان مترددا في أغراضه ، وكيف تهدمت رجلاه ، وكان يتلذذ بالنظر إلى ما خوله وقد سالت عيناه ، ويصول ببلاغة نطقه وقد أكل الدود لسانه ، ويضحك لمواتاة دهره وقد أبلى التراب أسنانه ، وليتحقق أن حاله كحاله ، ومآله كمآله .
وعند هذا التذكر والاعتبار تزول عنه جميع الأغيار الدنيوية ، ويقبل على الأعمال الأخروية ، فيزهد في دنياه ، ويقبل على طاعة مولاه ، ويلين قلبه ، وتخشع جوارحه .
" تفسير القرطبي " ( 20 / 171 ، 172 ) .
والله أعلم
تعليق