الحمد لله.
المشروع في حق المسلم أن يتواصى مع من لقيه بالحق من القول والعمل ، والصبر على ذلك ، والدعوة إليه ؛ كما قال الله تعالى : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) .
عَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ : ( كَانَ الرَّجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ ) . رواه الطبراني في الأوسط (5124) والبيهقي في الشعب (8639) ، وقال الهيثمي في "المجمع" (10/233): " رجاله رجال الصحيح " .
قال بلال بن سعد رحمه الله :
" أخٌ لك كلما لقيك ذكَّرك بحظِّك من الله : خيرٌ لك مِن أخٍ كلما لقيك وضع في كفك دينارًا " انتهى من" حلية الأولياء " (5/225) .
أما السؤال المذكور عن أحوال القلوب ، وأحوال العبد في
إيمانه بربه ، فهذا يخشى على صاحبه أن يكون وسيلة لتزكية نفسه ، أو أن يرائي به
السائل أمام الناس : كأنه هو صاحب القلب المؤمن ، والمتقي لله عز وجل على الدوام ،
وقد يكون فيه اتهام للمسؤول بالتقصير في حق الله تعالى ؛ أو يحمل المسؤول على
التجمل بحاله عند من يسأله ، ونحو ذلك من الآفات .
ولعله لأجل ذلك ، لم نقف على مثل ذلك السؤال في أحوال السلف وأقوالهم ، ولا نعلم
أنهم كانوا يسألون عن مثل ذلك .
وأما الحديث المشهور بين الناس عَنِ الْحَارِثِ بن
مَالِكٍ الأَنْصَارِيِّ ، ،أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُ : كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ ؟ قَالَ :
أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا ، فَقَالَ : انْظُرْ مَا تَقُولُ ، فَإِنَّ لِكُلِّ
شَيْءٍ حَقِيقَةً ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ ؟ فَقَالَ : قَدْ عَزَفَتْ نَفْسِي
عَنِ الدُّنْيَا ، وَأَسْهَرْتُ لِذَلِكَ لِيَلِي ، وَاطْمَأَنَّ نَهَارِي ،
وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى
أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا ، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ
النَّارِ يَتَضَاغَوْنَ فِيهَا . فَقَالَ : يَا حَارِثُ عَرَفْتَ فَالْزَمْ .
ثَلاثًا .
فهذا الحديث رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3/266) وهو حديث ضعيف لا يصح .
قال العقيلي رحمه الله : " ليس لهذا الحديث إسناد يثبت " انتهى من" الضعفاء الكبير
" (4/455) .
وقال ابن تيمية رحمه الله : " وروى مسندا من وجه ضعيف لا يثبت " انتهى
من"الاستقامة" (1/194) .
وعلى هذا ، فينبغي العدول عن مثل هذا السؤال ، الذي قد
يترتب عليه بعض المفاسد ، وليكتف المسلم بالسؤال عن حال أخيه عموماً .
فيقول له : كيف حالك ؟ وكيف أصبحت ؟ ونحو ذلك .
وقد ورد مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ( جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي
، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنت ؟ قالت : أنا جثامة المزنية . فقال
: بل أنتِ حسانة المزنية ، كيف كنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف أنت بعدنا ؟ قالت : بخير
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! فلما خرجَت قلتُ : يا رسول الله تقبل على هذه العجوز
هذا الإقبال . فقال : إنها كانت تأتينا زمن خديجة ، وإنَّ حسن العهد من الإيمان )
رواه الحاكم في " المستدرك " (1/62) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة "
(رقم/216).
والله أعلم .
تعليق