الحمد لله.
المشروع في حق المصلين أثناء الخطبة استقبال الخطيب ، والإنصات للخطبة .
روى الترمذي (509) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ اسْتَقْبَلْنَاهُ بِوُجُوهِنَا) صححه الألباني في "صحيح الترمذي"
وقال الترمذي عقبه : " وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ يَسْتَحِبُّونَ اسْتِقْبَالَ الْإِمَامِ إِذَا خَطَبَ ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَقَ " انتهى .
وروى البيهقي (5925) عن يحيى بن سعيد الأنصارى قال : " السنة إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة يقبل عليه القوم بوجوههم جميعا " .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ النَّاسُ الْخَطِيبَ إذَا خَطَبَ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : هَذَا كَالْإِجْمَاعِ" انتهى مختصرا .
"المغني" (2/75) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
"وكان إذا جلس عليه [يعني : على المنبر] النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غير الجمعة ، أو خطب قائماً في الجمعة ، استدار أصحابُه إليه بوجوههم ، وكان وجهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبلَهم في وقت الخطبة " انتهى .
"زاد المعاد" (1 / 430) .
بل ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب استقبال الخطيب ، قال محمد الخرشي المالكي رحمه الله : " المذهب : أنه يجب على الناس استقبال الإمام بوجوههم على أهل الصف الأول وغيرهم ، ممن يسمعه ومن لا يسمعه ، ومن يراه ومن لا يراه " انتهى .
"شرح مختصر خليل" (2 / 79) .
وقال الصنعاني رحمه الله :
"والحديث يدل على أن استقبال الناس الخطيب مواجهين له أمر مستمر ، وهو في حكم المجمع عليه ، جزم بوجوبه أبو الطيب من الشافعية " انتهى .
"سبل السلام" (2 / 58) .
وقال الحافظ رحمه الله في الفتح ( 2/402 ) :
" ومن حكمة استقبالهم للإمام : التهيؤ لسماع كلامه ، وسلوك الأدب معه في استماع كلامه ، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه ؛ كان أدعى لتفهم موعظته ، وموافقته فيما شُرع له القيام لأجله " انتهى .
فلا ينبغي التهاون بذلك ؛ فإنه يكون به تمام الإنصات المأمور به وكمال الحضور .
وقال الشيخ مشهور بن حسن في "أخطاء المصلين" (ص 147) :
" ويلاحظ أن بعض المصلّين يعتمدون على جدار أو عمود للمسجد ، مستدبرين القبلة ووجه خطيب الجمعة ، والعجب من هؤلاء !! فإن الشرع أذن للخطيب أن يستدبر القبلة ، ليواجه المصلّين ويؤثر فيهم ، ويأمرهم وينهاهم ، وعلى الرغم من هذا ، فإن هذا الصنف لا ينظر إلى هذه الحكمة ، ولا يلتفت إليها ، وغالب هؤلاء لا ينتبهون للخطيب ، ولا يدنون منه " انتهى .
وعلى هذا ، فاتكاء بعض المصلين على الجدار القبلي للمسجد أثناء الخطبة مخالف للسنة والأدب ، فلا ينبغي فعله إلا لحاجة إليه من مرض أو كبر سن أو ضعف ونحو ذلك ؛ فإن المشقة تقتضي التيسير .
والله أعلم .
تعليق