الحمد لله.
لا شك أن الشمس والقمران آيتان من آيات الله ، وخلقان عظيمان من خلقه ، مسخران في الكون بأمره ، لا يخرجان عن ذلك ، وما كان لهما الخروج عن أمر الله .
وإذا خرجا عن سنتهما المعتادة في الحركة أو الظهور ، فإنما ذلك بأمر الله تعالى الكوني النافذ ، وحكمته البالغة في كونه سبحانه ، والتي منها تخويف العباد ، وتذكيرهم بقدرته وسلطانه سبحانه.
روى البخاري (1041) ومسلم
(911) – واللفظ له - عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ ،
وَإِنَّهُمَا لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ، فَإِذَا
رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا
بِكُمْ ) .
وروى البخاري (1059) ومسلم (912) عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : خَسَفَتْ
الشَّمْسُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا يَخْشَى
أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ
وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ ، وَقَالَ : ( هَذِهِ الْآيَاتُ
الَّتِي يُرْسِلُ اللَّهُ لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنْ
يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ ؛ فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ
فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْله : ( فَأَفْزَعُوا ) : أَيْ اِلْتَجِئُوا وَتَوَجَّهُوا ، وَفِيهِ إِشَارَة
إِلَى الْمُبَادَرَة إِلَى الْمَأْمُور بِهِ ، وَأَنَّ الِالْتِجَاء إِلَى اللَّه
عِنْد الْمَخَاوِف بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَار سَبَب لِمَحْوِ مَا فرطَ مِنْ
الْعِصْيَان ؛ يُرْجَى بِهِ زَوَال الْمَخَاوِف ، وَأَنَّ الذُّنُوب سَبَب
لِلْبَلَايَا وَالْعُقُوبَات الْعَاجِلَة وَالْآجِلَة " انتهى من "فتح الباري"
(2/534) .
وقال أيضاً :
" فِيهِ النَّدْب إِلَى الِاسْتِغْفَار عِنْد الْكُسُوف وَغَيْره لِأَنَّهُ مِمَّا
يُدْفَع بِهِ الْبَلَاء " انتهى من "فتح الباري" (2/546) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن الكسوف والخسوف للشمس والقمر يقعان
تخويفاً من الله لعباده ، وحثاً لهم على مراعاة هذه الآيات ، والخوف من الله عز وجل
والفزع إلى ذكره وطاعته ، وأمر في ذلك بالتكبير والعتاقة والصدقة ، كل هذا مشروع
عند الكسوف : الصلاة والذكر والاستغفار والصدقة والعتق والخوف من الله عز وجل
والحذر من عذابه .
وكونها آية تُعرف بالحساب ، لا يمنع كونها تخويفاً من الله جل وعلا ، وأنها تحذير
منه سبحانه وتعالى ، فإنه هو الذي أجرى الآيات ، وهو الذي رتب أسبابها كما تطلع
الشمس وتغرب الشمس في أوقات معينة ، وهكذا القمر ، وهكذا النجوم ، وكلها آيات من
آيات الله سبحانه وتعالى ، فكون الله جعل لها أسباباً كما ذكر الفلكيون ، يعرفون
الخسوف بها ، لا يمنع من كونها تخويفاً وتحذيراً من الله عز وجل ، كما أن آياته
المشاهدة من شمس وقمر ونجوم وحر وبرد ، كلها آيات فيها التخويف والتحذير من عصيان
الله على هذه النعم ، وأن يحذروه وأن يخافوه وأن يخشوه سبحانه ، حتى يستقيموا على
أمره ، وحتى يدعوا ما حرم عليهم " .
"مجموع فتاوى ابن باز" (30 / 289-290)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الكسوف إنذار من الله لعقوبة انعقدت أسبابها ، وليس هو عذاباً ، لكنه إنذار ، كما
قال صلى الله عليه وسلم : ( يخوف الله بهما عباده ) ولم يقل : يعاقب الله بهما
عباده ، بل هو تخويف ، ولا ندري ما وراء هذا التخويف ، قد تكون هناك عقوبات عاجلة
أو آجلة في الأنفس أو الأموال أو الأولاد أو الأهل ، عقوبات عامة أو خاصة ، ما ندري
، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ) ما قال :
قوموا ، وما قال : صلوا ، اذكروا الله ، ولكن قال : افزعوا ، افزعوا إلى ذكر الله
واستغفاره ، وكبروا وتصدقوا وصلوا وأعتقوا ، كل هذه أشياء تدل على عظم هذا الكسوف .
والكسوف له سببان : السبب الأول : التخويف : تخويف العباد إذا كثرت الذنوب ، ورانت
المعاصي على القلوب ، نسأل الله العافية .
والسبب الثاني : كوني قدري : وهو ما يذكره الناس من أن سبب الكسوف حيلولة القمر بين
الشمس والأرض ، وسبب الخسوف حيلولة الأرض بين الشمس والقمر ، ولا يمتنع أن يجعل
الله عز وجل أسباباً طبيعية لتخويف العباد " انتهى .
"لقاء الباب المفتوح" - (15 / 4-5)
وينظر جواب السؤال رقم : (5901)
.
والله تعالى أعلم .
تعليق