الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

أخذ أموالا بغير حق ولا يقدر على إرجاعها لسفره

السؤال

عملت في إحدى دول الخليج كمستشار قانوني وكنت آخذ عمولات من عملي ولكن المشكلة أنه قد دخل في أموالي أموال مشكوك فيها أخذتها من موكليين بغير حق ودخلت في أموالي الحلال . ولا أعرف مقدار هذه الأموال لاختلاطها بأموالي ولا أقدر أن أرجعها لأصحابها لأني تركت البلد الآن وأعيش بمصر. وقد تبت عن ذلك وأحاول أن أنفق في سبيل الله لتطهير أموالي فما هو الحل ليرضى الله عنى ويسامحني .

الجواب

الحمد لله.

أولا :

من أخذ مال غيره بغير حق لزمه رده إليه ، ولا تتم توبته إلا بذلك ؛ لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ).

قال النووي رحمه الله : " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها : أن يقلع عن المعصية. والثاني : أن يندم على فعلها . والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته .
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حدّ قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33 .
 

وإذا جهلت مقدار المال عملت بغلبة الظن مع الاحتياط ، فلو دار المال بين أن يكون مائة ، أو ثمانين ، فاجعله مائة ، حتى تبرأ ذمتك بقين .

وإذا خشيت حصول مفسدة إن أخبرت المظلوم ، لم يلزمك إخباره ، وكفاك إيصال المال إليه بأي وسيلة ممكنة ، كالإيداع في حسابه ، أو دفعها لمن يوصلها إليه دون إخباره .

وإن مات صاحب الحق ، دفعت المال إلى ورثته .

ثانيا :

إن عجزت عن معرفة صاحب الحق وإيصال المال له ، لنسيان اسمه ، أو لغير ذلك من الأسباب ، بعد الاجتهاد والبحث ، تصدقت بالمال عنه ، على أنه متى تمكنت من الوصول إليه خَيَّرته بين إمضاء الصدقة أو أخذ المال .

جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" في جندي سرق مالا من عبدٍ : " إن كان يعرف العبدَ أو يعرف من يعرفه : فيتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه ، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه : فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها ، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت ، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده : ضمنها له وصارت له الصدقة ، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4 /165) .
 

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول : إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب - مثلاً - إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم - مثلاً - من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله - عز وجل - فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) الطلاق/2 ، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) الطلاق/4 .
فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو : فهذا أيضاً أسهل من الأول ؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه ، وحينئذٍ تبرأ منه .
إن هذه القصة التي ذكرها السائل توجب للإنسان أن يبتعد عن مثل هذا الأمر ؛ لأنه قد يكون في حال طيش وسفهٍ فيسرق ولا يهتم ، ثم إذا منَّ الله عليه بالهداية يتعب في التخلص من ذلك " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " ( 4 / 162) .

ونسأل الله أن يتجاوز عنا وعنك .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب