الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حكم تزيين جدران المساجد وتعليق صورة القدس – وغيرها - في قبلتها

150177

تاريخ النشر : 24-06-2010

المشاهدات : 23560

السؤال

نحن نعيش فتنة كبيرة بسبب تعليق " صورة القدس " في القبلة للمسجد ، نريد فتوى على ذلك ، هل نعلقها أم لا ؟ نريد فتوى شرعية تبين ذلك .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
لا يجوز للمصلين أن يجعلوا للشيطان طريقاً إليهم ليفتنهم في أخوتهم واجتماعهم فيفرِّق بينهم ويجعلهم أعداءً بعضهم لبعض ، وبيوت الله تعالى لم تبنَ لمثل تلك الاختلافات والنزاعات ، وإنما بُنيت لذِكر الله وإقامة شعائر دينه ، فالواجب على عقلاء المصلين أن لا يسمحوا بالفرقة أن تكون بين أهل المسجد وعليهم السعي لحل ما يعترض أخوتهم وائتلافهم بعرض المسائل على أهل العلم الثقات ليفصلوا في مسائل النزاع ، وأن تبقى بيوت الله تعالى بعيدة عن الشقاق والنزاع.

ثانياً:
بخصوص تعليق صورة القدس – أو غيرها من الصور في المسجد – : فأقل أحوال ذلك الكراهة ، ويزداد النهي عن ذلك ، وتشتد كراهته إذا كانت الصورة معلقة في جهة القبلة . والواجب أن تُصان بيوت الله عن مشابهة الكنائس وبيوت العبادة عند الكفار حيث يحرصون على تلوين الجدران وتزيينها وتعليق الصور والتحف في أرجاء تلك البيوت .
وقد روى البخاري في صحيحه – معلَّقاً - ( 1 / 171 ) – عن عُمَر بن الخطاب لما أمر بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ النبوي َقَالَ : " أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ " .
والتحمير والتصفير إنما يكون في الجدران ، وهو من الزينة والزخرفة التي رغِب عنها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من هديه . عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ ) .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : " لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى " .
رواه أبو داود ( 448 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وهذه الزخرفة هي التي تكون داخل المساجد على الجدران ، فتبين أن الصحابة الأجلاء قد نهوا عن زخرفة المساجد وتزيينها بالتلوين لجدرانها ، وبالنقش في جدرانها ، وغير ذلك من أنواع وأشكال الزخرفة .
ولا شك أن تعليق الصور في جدران المساجد ووضع البراويز بالآيات المزخرفة ، هو من الزخرفة والتزيين المنهي عنه في كلام الصحابة الأجلاء ، فلا يخرج حكم تزيين جدران المساجد عن كونه بدعة ، أو مشابهة لأهل الكتاب وكلاهما منهي عنه في الشرع المطهَّر ، ويشتد المنع إذا كانت تلك الزينة في قبلة المسجد ؛ لإشغالها المصلي عن التدبر والخشوع في صلاته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وإنما زخرفت اليهود والنصارى معابدها ، حين حرفوا كتبهم وبدَّلوها " انتهى .

وفي " الموسوعة الفقهية " ( 23 / 217 ، 218 ) :
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يكره زخرفة المسجد بذهب أو فضة ، أو نقش ، أو صبغ ، أو كتابة ، أو غير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما أمرت بتشييد المساجد ) والتشييد : الطلاء بالشِّيد ، أي : الجص ، قال ابن عباس : " لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى " ، وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد ) - رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وصححه الألباني - ، وروى البخاري في صحيحه أن عمر رضي الله عنه أمر ببناء مسجد وقال : " أكنَّ الناس من المطر ، وإياك أن تُحمِّر أو تصفِّر فتفتن الناس " ، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : " إذا حلَّيتم مصاحفكم وزخرفتم مساجدكم فالدمار عليكم " ؛ ولأن ذلك يلهي المصلي عن الصلاة بالنظر إليه فيخل بخشوعه ، ولأن هذا من أشراط الساعة .
انتهى
وقال الشيخ حسام الدين عفانة - أستاذ الفقه والأصول في " كلية الدعوة وأصول الدين " جامعة " القدس " – وفقه الله – بعد أن ساق طائفة من الأدلة على منع تعليق الصور في المسجد - :
أرى أنه لا يجوز تعليق الصور مهما كانت في قبلة المسجد ، وكذلك تعليق اللوحات سواء كانت لوحات قرآنية ، أو مجلات حائط أو نحوها ، في قبلة المسجد وأمام المصلين ؛ لأنها بالتأكيد تشغلهم عن صلاتهم ، وينبغي - بشكل عام - تنزيه المسجد عن مثل هذه الأمور ، فالمساجد ليست معارض ، ولا متاحف لتعليق الصور أو اللوحات الفنية ، أو الزخرفات المختلفة .
" فتاوى حسام الدين عفانة " ( 1 / 177 ) – ترقيم الشاملة - .

ثالثاً:
ليَعلم كل من تسبَّب في إشغال المصلين عن صلاتهم أن له نصيباً من الإثم بسبب مخالفته لحكم الشرع ، ولإشغال قلوب المصلين عن صلاتهم .
قال أبو حامد الغزالي – رحمه الله - :
وفِرقة أخرى ربما اكتسبت المال من الحلال وأنفقت على المساجد ، وهي أيضا مغرورة من وجهين :
أحدهما :
الرياء وطلب الثناء ؛ فإنه ربما يكون في جواره أو بلده فقراء ، وصرف المال إليهم أهم وأفضل وأولى من الصرف إلى بناء المساجد وزينتها ، وإنما يخف عليهم الصرف إلى المساجد ليظهر ذلك بين الناس .
والثاني : أنه يصرف إلى زخرفة المسجد وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها ، وشاغلة قلوب المصلين ومختطفة أبصارهم ، والمقصود من الصلاة : الخشوع وحضور القلب ، وذلك يفسد قلوب المصلين ، ويحبط ثوابهم بذلك ، ووبال ذلك كله يرجع إليه ، وهو مع ذلك يغتر به ، ويرى أنه من الخيرات ، ويعدُّ ذلك وسيلة إلى الله تعالى ، وهو مع ذلك قد تعرض لسخط الله تعالى ، وهو يظن أنه مطيع له وممتثل لأمره وقد شوش قلوب عباد الله بما زخرفه من المسجد ، وربما شوَّقهم به إلى زخارف الدنيا ، فيشتهون مثل ذلك في بيوتهم ، ويشتغلون بطلبه ، ووبال ذلك كله في رقبته ؛ إذ المسجد للتواضع ولحضور القلب مع الله تعالى .
" إحياء علوم الدين " ( 3 / 408 ) .

وقد سبق ذكر هذا الحكم بأدلته في جواب السؤال رقم ( 127987 )، وفيه بيان المنع من كتابة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في قِبلة المسجد ؛ ولا شك أن تعليق الصور ، ولو كانت للمسجد الأقصى في قبلة المسجد ، أولى بالمنع من مجرد كتابة الآيات القرآنية .

ونسأل الله لكم التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح ، وأن يكون ما ذكرناه هنا كافياً لقطع النزاع بينكم ، وأن لا يتردد الإخوة في نزع تلك الصورة أو اتخاذ قرار بعدم تعليقها ؛ استجابة لحكم الشرع العام بترك التنازع ونبذ الفُرقة ، وحكمه الخاص في عين المسألة .
وسئل الشيخ الألباني رحمه الله : " بالنسبة لتعليق بعض الصور ، مثل : المسجد الأقصى ومسجد الصخرة ، يعني في البيوت ، بيجوز هذا أستاذنا ؟" .
فأجاب :
" إذا كان مقصود من السؤال أن لها حكم الصور التي لها أرواح ، الجواب : ليست كذلك ، لكن إذا كان المقصود بصورة عامة ، فنقول : إن هذا مما يكره ، لأنه من باب الزينة والزخارف التي لا يحث الإسلام على استعمالها ، بخاصة إذا كان الشيء المعلق يتضمن شيئاً لا يقره الشرع ، وهنا عندك نقطة مهمة جداً ، بمعنى مسجد الصخرة فيه صخرة ، من الخطأ أن يُعتقد فيها قداسة معينة أو فضل معين ، بالعكس هذا خطأ لا يقره الإسلام ، فحينما توضع صورة في البيت ، في مكان يشعر ويوحي أن هذا الواضع يؤيد قداسة هذا الذي وضع صورته في جداره ، لا شك أن هذا خطأ في خطأ ، هذا بالنسبة للصخرة ، لما بنترك الصخرة إلى مسجد الرسول عليه السلام – مثلاً – علقناها الصورة ، نفس الشيء يُقال ، فأنت تعليقك لها يوحي أو يشعر بأنك تقر مثل هذا الأمر القائم في هذه الصورة ، وهكذا ، فينبغي الابتعاد عن هذه الصور " انتهى .
فتوى منشورة بهذا الرابط :
http://www.almenhaj.net/makal.php?linkid=1726

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب