الحمد لله.
أولا :
ليس من شك - أيها السائل الكريم - أن كل إنسان منا له صوابه وخطؤه ، فيه قدر من الخير ، وقدر آخر من النقص والشر ؛ والسعيد فينا من غلبت خيره شره ، وحسناته سيئاته ، وحاول أن يغلب نوازع الخير والإيمان والصلاح في نفسه ، على جوانب النقص والشر والفساد ، فإذا ضعفت نفسه ، ووقع في شيء من الشر أو العصيان : بادر بإصلاح ذلك الجانب الأسود في نفسه ، وصقل قلبه بالتوبة النصوح . قال الله تعالى : ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ ) الأعراف/200-202 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان ، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غِرَّته وغفلته ، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين ، وأن المتقي إذا أحس بذنب ، ومسه طائف من الشيطان فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه ، وتذكر ما أوجب اللّه عليه ، وما عليه من لوازم الإيمان ، فأبصر واستغفر اللّه تعالى ، واستدرك ما فَرَط منه بالتوبة النصوح ، والحسنات الكثيرة ، فرد شيطانه خاسئا حسيرا ، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه .
وأما إخوان الشياطين وأولياؤهم ، فإنهم إذا وقعوا في الذنوب ، لا يزالون يمدونهم في الغي ذنبا بعد ذنب ، ولا يُقصرون [أي:لا ينتهون] عن ذلك ، فالشياطين لا تقصر عنهم بالإغواء ، لأنها طمعت فيهم حين رأتهم سلسي القياد لها ، وهم لا يقصرون عن فعل الشر" انتهى .
" تفسير السعدي" (312) .
وقد فهم الشاعر العربي هذا المعني في النفس الإنسانية ، فقال :
إذا كنتُ في كُلِّ الأُمُورِ مُعاتِباً ... صَدِيقَكَ، لم تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ
فعِشْ واِحداً، أو صِلْ أخاك، فإنَّهُ ... مُقارِفُ ذَنْبٍ تارَةً ومُجانِبُهْ
إذا أنتَ لم تَشْرَبْ مِراراً على القَذَى ... ظَمِئْتَ، وأيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشارِبُهْ
ثانياً :
إذا تبين لك ما قلناه ، فإن ما وقع من زوجتك ليس سببا مقنعا لفراقك لها ؛ أما الماضي ، فقد تابت منه ، ورأت أنه علامة سوداء في ذاكرتها ، ونقطة سوداء في صفحتها ، لم تعد تحب أن تراها ، بعدما أقلعت عنها ، وتابت منها ، فلماذا تذكرها أنت بها ، وتؤاخذها بأمر قد تركته ، وأقلعت عنه ، مع أنها لم تصل إلى حد الفاحشة ، أو فعل السوء ، معاذ الله ؛ بل والله ، لو ضعفت النفس ، ففعلت شيئا من ذلك ، وتابت منه توبة نصوحا ، لما كان لأحد أن يؤاخذها بأمر تابت منه ، وندمت عليه ، ولا تستقيم الحياة بمثل ذلك .
فحسبُكَ من زوجِكَ أنها أحبتك كثيرا ، كما تقول أنت ، ورغبت في طي صفحة الماضي ، والعيش معك في السكن الطبيعي ، والمودة والالتئام بينكما ، وطاعتك فيما تحب .
فاطو معها صفحة الماضي يا عبد الله ، والحذر الحذر من أن تتجسس على أهلك ، أو تتخونهم ، ما دام لم يبد لك منها ما يريبك ، وقد بدا لك صلاحها ، واستقامة حالها معك ؛ فأمسك عليك زوجك ، وراجعها ، وأصلح ـ معها ـ ما هو آت من عيشكما ، يصلح الله لكما ما فات ، ويتوب عليكما فيه ، ولعل الله أن يبدله لكما حسنات .
والله أعلم .
تعليق