الحمد لله.
أولا :
اللفظ المذكور ليس من ألفاظ الطلاق الصريحة ؛ بل هو من كنايات الطلاق ؛ ويرجع القول فيه إلى مراد الزوج ونيته ؛ فإن كان ينوي بذلك طلاقا : فإنه يكون طلاقا ، لكنه ـ أيضا ـ معلق على الشرط الذي ذكره ، وهو أن تكوني قد عنيت والده بكلامك .
وإن كان لم يقصد بذلك أن يطلقك ، فليس طلاقا ؛ لأن كنايات الطلاق لا يقع بها الطلاق إلا إذا نواها الزوج .
وهكذا لا يقع الطلاق إذا كان ينوي الطلاق بهذا اللفظ ، لكن علّقه على قصدك لوالده ، والواقع أنك لم تقصديه بل قصدت والدته .
لكن إن كان قال لك في المرة الثانية : إن كنت تقصدين أحدا من أهلي ، كما قال في المرة الأولى ، أو كلمة نحوها من كنايات الطلاق ، فقد تحقق الشرط الذي علق عليه كنايته ، ويقال في هذا ما سبق من أنه طلاق إذا كان نواه ، وليس طلاقا إذا لم ينو بلفظه ذلك الطلاق .
وإن شككت هل قال لك شيئا مما يقتضي الطلاق أو لا ؛ فالأصل بقاء النكاح ، ولا يقع الطلاق إلا إذا تيقنت أنه قال ذلك .
وينبغي أن يعلم أن الرجل لو طلق زوجته قبل الدخول بانت منه ، ولم يملك رجعتها إلا بعقد جديد .
وينظر جواب السؤال رقم (22850)
ورقم (126292) .
ثانيا :
اعلمي - يا أمة الله - أن البيت لا يصلح فيه إلا رجل واحد ؛ فإذا كنت ستعاملين زوجك
باعتبار أن لك كل الحقوق والصلاحيات التي له ، وأنك قيمة عليه ، كما هو قيم عليك :
فأنت تخاطرين بأمر عيشك ، وتضحين ببيتك وسكنك .
إن لك حقا على زوجك ، نعم ؛ لكن ينبغي أن تعلمي أن لك حدودا ، فلا تعتديها ، وأن
تعلمي أن القوامة والرياسة في البيت إنما هي للرجل ، للزوج ، فلا تنازعيه فيها .
كما قال الله تعالى :
( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ
دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) البقرة/228 .
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ أي: وللنساء
على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة
والمستحبة.
ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك
الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص
والعوائد.
وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك الوطء ، الكل يرجع
إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق .
وأما مع الشرط ، فعلى شرطهما، إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا.
وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أي: رفعة ورياسة، وزيادة حق عليها، كما قال
تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ " انتهى من
"تفسير السعدي" (101) .
وحينئذ ؛ فليكن الأمر بينكما بالتشاور ، والتحاور ، واللين والهدوء ؛ فإن رأيتِ
زوجك قد غضب ، فدعي الحوار معه ، ولا تعيني الشيطان عليه ، ولا تجعلي نفسك خصما له
، أو حكما عليه .
فإن قدرت على التغلب على ذلك النقص فيك ، وأن تدعي بعض حقك لزوجك ، وأن تصبري على
بعض ما يغضبك ، وأن تلتزمي بأدب النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه ، لما قال له
: ( أَوْصِنِي ؟! ) .
فقَالَ له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَغْضَبْ ) . فَرَدَّدَ مِرَارًا ،
قَالَ : ( لَا تَغْضَبْ ) .
رواه البخاري (6116) .
نحن خاطبناك أنت أيتها السائلة الكريمة ؛ لأنك أنت التي سألتينا ؛ ولو كان هو الذي
يسألنا ، لكان لنا معه حورا آخر .
على أن الحدة التي ذكرتِ لنا صورتها عن زوجك ، وحساسيته لأية كلمة تصدر في حق أهله
، أو تصرف منك : كل ذلك أمر مزعج ، ومقلق على مستقبلكما ، يجب عليكما علاجه قبل أن
تقدما على إتمام زواج تحيطه مخاطر الهدم في أي وقت ، أو لحظة غضب !!
وبدون ذلك ، وباستمرار هذا الخلق بينكما ، فلا نظن الحياة بينكما ستستقيم ، ولا نظن
العشرة ستدوم !!
فتأملي أمرك وأمر زوجك ، واجتمعي أنت وهو على كلمة سواء ، لإصلاح أمركما ،
والمحافظة على بيتكما .
وفقكما الله لما يحبه ويرضى ، وأصلح لكما أمركما .
والله أعلم .
تعليق