الحمد لله.
أولا :
لا يجوز للرجل أن يحلف على نفسه باللعنة أو بالغضب أو بالكفر والخروج من الملة ، والردة عن الإسلام وما أشبه هذا؛ لما روى البخاري (6047) عن ثَابِت بْن الضَّحَّاكِ رضي الله عنه حَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ).
وروى أبو داود (3258) والنسائي (3772) وابن ماجه (2100) عن بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ حَلَفَ فَقَالَ : إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا) .
قال في شرح أبي داود : " (إِنِّي بَرِيء مِنْ الْإِسْلَام) : أَيْ لَوْ فَعَلْت كَذَا أَوْ لَمْ أَفْعَلهُ ( فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا ) : أَيْ فِي حَلِفه ( فَهُوَ كَمَا قَالَ ) : فِيهِ مُبَالَغَة تَهْدِيد وَزَجْر مَعَ التَّشْدِيد عَنْ ذَلِكَ الْقَوْل . قَالَ الْحَافِظ : قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : اُخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ أَكْفُر بِاَللَّهِ وَنَحْو ذَلِكَ إِنْ فَعَلْت ثُمَّ فَعَلَ , فَقَالَ اِبْن عَبَّاس وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَطَاء وَقَتَادَة وَجُمْهُور فُقَهَاء الْأَمْصَار : لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَلَا يَكُون كَافِرًا إِلَّا إِنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ .
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق : هُوَ يَمِين وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة . قَالَ اِبْن الْمُنْذِر : وَالْأَوَّل أَصَحّ لِقَوْلِهِ " مَنْ حَلَف بِاَللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " وَلَمْ يَذْكُر كَفَّارَة زَادَ غَيْره وَلِذَا قَالَ " مَنْ حَلَفَ بِمِلَّة غَيْر الْإِسْلَام فَهُوَ كَمَا قَالَ " فَأَرَادَ التَّغْلِيظ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَجْتَرِئ أَحَد عَلَيْهِ اِنْتَهَى .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يَأْثَم وَلَا تَلْزَمهُ الْكَفَّارَة وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَعَلَ عُقُوبَتهَا فِي دِينِه وَلَمْ يَجْعَل فِي مَاله شَيْئًا وَقَدْ ذَكَرْنَا اِخْتِلَاف أَهْل الْعِلْم فِي الْبَاب الْأَوَّل اِنْتَهَى . ( وَإِنْ كَانَ صَادِقًا ) : أَيْ فِي حَلِفه يَعْنِي مَثَلًا حَلَفَ إِنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيء مِنْ الْإِسْلَام فَلَمْ يَفْعَل فَبَرَّ فِي يَمِينه ( سَالِمًا ) : لِأَنَّ فِيهِ نَوْع اِسْتِخْفَاف بِالْإِسْلَامِ فَيَكُون بِنَفْسِ هَذَا الْحَلِف آثِمًا " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (6262) .
ثانيا :
اختلف الفقهاء في هذا الحلف المحرم ، هل تلزم فيه الكفارة عند الحنث أم لا ؟ والأحوط التكفير.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وإذا قال الرجل:
هو يهودي، أو نصراني، أو مجوسي، أو بريء من الإسلام، أو شيوعي إن فعل كذا وكذا، فهل
هذا حكمه حكم اليمين، أو هو تقول فقط؟
بعض العلماء يقول: حكمه حكم اليمين؛ لأن هذه الأمور مكروهة عنده، ولهذا جعل فعل هذا
الشيء وكراهته له ككراهته أن يكون يهوديا، أو نصرانيا، أو شيوعيا، أو ما أشبه ذلك،
وعلى هذا فيكون حكمه حكم التحريم، أي: تحريم المباح، فيلزمه كفارة يمين، وهذا هو
المشهور من المذهب، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره من السلف.
وقال بعض العلماء: إنه لا كفارة عليه؛ لأن هذا ليس يمينا، وليس في معنى ما ورد من
اليمين، ولكن الصحيح أن حكمه حكم اليمين " انتهى من "الشرح الممتع" (15/ 155).
وعليه فحلف زوجك ألا يدخل البيت أسبوعا في حال ذكرك الخروج مع جارتك ، وإلا كان
كافرا ، حلف محرم ، والواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يندم على ما قال ،
ويعزم على عدم العود له أبدا .
وإذا رأى الخير في خروجك مع جارتك ، فليكفّر عن يمينه ؛ لعموم قول النبي صلى الله
عليه وسلم : ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا
فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ) رواه مسلم (1650)
من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
والله أعلم .
تعليق