الحمد لله.
أولاً :
لم نجد في الروايات ما يشتمل على قصة نوم النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر ، ثم دعائه عليه الصلاة والسلام ربه أن يرد عليه الشمس بعدما غربت كي يصلي العصر ، ولم نقف على شيء من ذلك في كتب السنة المشهورة ، كما لم نقف عليه في كتب الغرائب والأحاديث الضعاف ، وإنما الذي ورد في ذلك هو شغل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى غربت الشمس يوم الخندق ، وهي قصة ثابتة في الصحيحين من طرق عديدة ، وليس فيها شيء عن ذكر رجوع الشمس بعد الغروب ، بل فيها أنه عليه الصلاة والسلام صلى العصر بعدما غربت الشمس .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه :
( أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ . قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ .
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا .
فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ ، وَتَوَضَّأْنَا لَهَا ، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ ) رواه البخاري (596) ومسلم (631)
ثانياً :
ربما اشتبه على السائل هذا الذي ذكره في سؤاله ، بقصة أخرى قريبة من ذلك ؛ وفيها أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر ، ولكن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يصلها
، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان نائماً في حجره ، فكره أن يقوم ليصلي فيوقظ
النبي صلى الله عليه وسلم من منامه ، فدعا عليه الصلاة والسلام ربه أن يرد الشمس
بعدما غربت كي يصلي علي بن أبي طالب العصر .
فإن كان هذا هو مراد السائل ، فالحديث ضغيف جداً ؛ لأسباب كثيرة ، أهمها سببان :
السبب الأول : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نفي أن يكون وقع ذلك لأحد غير
نبي الله يوشع بن نون عليه السلام ، وذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : ( غَزَا نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ... فَدَنَا مِنْ
الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ :
إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ،
فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ )
رواه البخاري (3124) ومسلم (1747)، ولفظ طريق الإمام أحمد رحمه الله في " المسند "
(14/65) : ( إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ لِبَشَرٍ إِلَّا لِيُوشَعَ لَيَالِيَ
سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) قال ابن كثير عن هذا الطريق : " على شرط البخاري
" انتهى.
ثم علق عليه بقوله رحمه الله :
" فيه أن هذا كان من خصائص يوشع عليه السلام ، فيدل على ضعف الحديث الذي رويناه أن
الشمس رجعت حتى صلى علي بن أبي طالب صلاة العصر بعد ما فاتته بسبب نوم النبي صلى
الله عليه وسلم على ركبته ، فسأل رسولُ الله أن يردها عليه حتى يصلي العصر فرجعت .
وقد صححه علي بن صالح المصري ، ولكنه منكر ، ليس في شيء من الصحاح ولا الحسان ، وهو
مما تتوفر الدواعي على نقله ، وتفردت بنقله امرأة من أهل البيت مجهولة لا يعرف
حالها والله أعلم " انتهى من " البداية والنهاية " (1/376).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" فيه أن الشمس لم تحبس لأحد إلا ليوشع عليه السلام ، ففيه إشارة إلى ضعف ما يروى
أنه وقع ذلك لغيره – ثم أطال في تفصيل ذلك إلى أن قال - : وجملة القول : أنه لا يصح
في حبس الشمس أو ردها شيء إلا هذا الحديث الصحيح " انتهى من " السلسلة الصحيحة "
(رقم/202).
السبب الثاني : أن هذا الخبر لم يرد من طريق صحيح يُعتمد عليه ، بل لم يرد إلا من
طرق المجاهيل والمتهمين ، ولذلك جاء حكم المحققين من المحدثين بتضعيف الحديث ورده :
قال ابن الجوزي رحمه الله :
"هذا حديث موضوع بلا شك ، وقد اضطرب الرواة فيه " انتهى من " الموضوعات " (1/356).
وقال الجورقاني رحمه الله :
" منكر مضطرب " انتهى من " الأباطيل والمناكير " (1/303).
وقال ابن تيمية رحمه الله :
" المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع ....
وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت ، تُعلم عدالة ناقليه وضبطهم ، ولا
يُعلم اتصال إسناده ... وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الحديث المعتمدة ، لا رواه
أهل الصحيح ، ولا أهل السنن ، ولا المسانيد أصلاً ، بل اتفقوا على تركه والإعراض
عنه ، فكيف يكون مثل هذه الواقعة العظيمة التي هي لو كانت حقاً من أعظم المعجزات
المشهورة الظاهرة ، ولم يروها أهل الصحاح والمساند ، ولا نقلها أحد من علماء
المسلمين وحفاظ الحديث ، ولا يعرف في شيء من كتب الحديث المعتمدة " انتهى باختصار
من " منهاج السنة النبوية " (8/113-122).
وقال ابن كثير رحمه الله :
" هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه ، فلا تخلو واحدة منها عن شيعي ومجهول الحال
، وشيعي ومتروك ، ومثل هذا الحديث لا يقبل فيه خبر واحد إذا اتصل سنده ؛ لأنه من
باب ما تتوفر الدواعي على نقله ، فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة ، لا أقل من
ذلك ، ونحن لا ننكر هذا في قدرة الله تعالى ، وبالنسبة إلى جناب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقد ثبت في الصحيح أنها ردت ليوشع بن نون ، وذلك يوم حاصر بيت المقدس
... ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم جاهاً ، وأجل منصباً ، وأعلى قدراً من يوشع
بن نون ، بل من سائر الأنبياء على الإطلاق ، ولكن لا نقول إلا ما صح عندنا عنه ،
ولا نسند إليه ما ليس بصحيح ، ولو صح لكنا من أول القائلين به ، والمعتقدين له ،
وبالله المستعان " انتهى من " البداية والنهاية " (6/87).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" موضوع " انتهى من " السلسلة الضعيفة " (رقم/971).
ومن أراد التوسع في البحث في طرق هذا الحديث ، فليرجع إلى " منهاج السنة النبوية "
(8/113-136) ، " اللآلئ المصنوعة " للسيوطي (1/308-312).
والله أعلم .
تعليق