الحمد لله.
أولاً :
التورق هو شراء سلعة بالأجل ثم بيعها على آخر بسعر أقل – عادة - ، فإن باعها للبائع الأول نفسه : فهي بيع عِينة وهو بيع محرَّم ، لأنها حيلة على الربا .
وقد اختلف العلماء في حكم التورق ، وقد سبق بيان جوازه بشروطه في جوابي السؤالين (45042) و (36410) فانظرهما .
والتورق نوعان : التورق العادي ، وهو الذي يجريه الأفراد ، والتورق المنظم الذي تجريه بعض البنوك ، وهذا التورق المنظم فيه تحايل على الشرع للوصول إلى القرض الربوي ، فيشتري العميل من البنك بضاعة – وقد تكون بضاعة وهمية كالمعادن بالأجل – ثم يوكِّله ببيعها !
وقد صدر قرارٌ من "مجمعِ الفقهي الإسلامي" في تحريم التورق المنظم ، وقد ذكرنا القرار بكامله في جواب السؤال ( 98124 ) .
وانظر قول الإمامين سعيد بن المسيب ومالك - رحمهما الله - في تحريم هذه المعاملة في جواب السؤال رقم ( 46564 ) .
وعليه : فإذا كانت السلعة التي تريد التورق بها مملوكة أصلاً للبنك ، أو يحل له التصرف بها بيعاً ، وهي مباحة الشراء - كالسيارات وأسهم الشركات النقية - : فلا حرج من معاملة تلك البنوك ، على أن لا تبيع ما اشتريته منها عليها ، ولا أن توكلهم ببيعها ، بل تبيع ما اشتريته منهم لغيرهم .
وينظر – للأهمية – مسألة " التورق بالأسهم " جواب السؤال رقم ( 118270 ) .
ثانياً :
أما السلع التي تُشترى " تورقاً " من جهة معينة ثم يُنزل بها إلى السوق ولا يدُْرى
من اشتراها هل هو البائع الأول أم غيره ، فلا يكون في ذلك محظور ، وليس هذا من بيع
العينة ، ولا تحرم المعاملة من أجل هذا الاحتمال والشك .
ثالثاً :
لا حرج عليك في الاستدانة من شخص آخر لتغلق ديْنك الذي عليك للبنك ، على أن يكون
القرض قرضاً حسناً لا ربا فيه .
ثم لا حرج في كون ذلك من أجل أن يكون لك معاملة تورق أخرى عند البنك نفسه وبمبلغ
أكبر ، فتسدد دينك لصاحبك وتنتفع بالفرق لنفسك ، وحكم التورق الثاني من البنك كحكم
الأول وبالشروط والضوابط الشرعية نفسها .
رابعاً :
لا حرج من أن يكون لك معاملتا تورق في البنك نفسه ، وتسدد له قسطين في آن واحد بشرط
:
أن لا يكون هناك تعلق للتورق الثاني بالأول ، إنما تكون المعاملة الثانية مفصولة
بالكلية عن الأولى ، فإن كان لها تعلق كأن تكون من أجل أن تسدد ما تبقى من الدَّين
الأول أو لجزء منه : فهو من " قلب الدَّين " وهو محرَّم .
وقد جاء في قرارات مجلس " المجمع الفقهي الإسلامي " برابطة العالم الإسلامي بشأن
فسخ الدين في الدين ما نصُّه :
يعدُّ من فسخ الديْن في الديْن الممنوع شرعاً : كل ما يفضي إلى زيادة الدين على
المدين مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه ويدخل في ذلك الصور الآتية :
= فسخ الديْن في الديْن عن طريق معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية
جديدة على المدين من أجل سداد المديونية الأولى كلها أو بعضها ، ومن أمثلتها : شراء
المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم بيعها بثمن حالٍّ من أجل سداد الدين الأول كله
أو بعضه : فلا يجوز ذلك ما دامت المديونية الجديدة من أجل وفاء المديونية الأولى
بشرط أو عرف أو مواطأة أو إجراء منظم ، وسواء في ذلك أكان المدين موسراً أم معسراً
، وسواء أكان الديْن الأول حالاًّ أم مؤجلاً يراد تعجيل سداده من المديونية الجديدة
، وسواء اتفق الدائن والمدين على ذلك في عقد المديونية الأول أم كان اتفاقاً بعد
ذلك ، وسواء أكان ذلك بطلب من الدائن أم بطلب من المدين ، ويدخل في المنع ما لو كان
إجراء تلك المعاملة بين المدين وطرف آخر غير الدائن إذا كان بترتيب من الدائن نفسه
أو ضمان منه للمدين من أجل وفاء مديونيته .
قرار رقم : 104 ( 3 / 18 ) .
وعليه : فإذا كان الأمر كما تقول أن المعاملة الثانية مفصولة بالكلية عن الأولى ،
وأنك قادر على تسديد قسطين في آن واحد : فلا يظهر مانع من ذلك .
وانظر جواب السؤال رقم : (153348)
.
والله أعلم
تعليق