الحمد لله.
أولا :
روى البخاري (6388) ومسلم (1434) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا ) .
وفي هذا الحديث وعد لمن قال ذلك ورزق ولدا : أن الشيطان لا يضره ، لكن ليس بالضرورة أن من لم يقل هذا الذكر عند الجماع : فإن الشيطان يضر ولده ولابد ، أو أن الشيطان يكون له نصيب في ذلك الجماع ولا بد ؛ فالحديث لم يقل ذلك ، وإنما فاته الفضل والحفظ الوارد هنا ، فإن كان قد ترك ذلك لعذر ، كأن يكون جاهلا به ، أو ناسيا له عند ذلك ، فهو في محل العفو والمسامحة ، إن شاء الله ، بوعد الله تعالى لأمة النبي صلى الله عليه وسلم .
وينظر جواب السؤال رقم (135477) .
ثانيا :
هناك أسباب كثيرة يستطيع من فاتته الفضيلة الواردة هنا ، أن يستدرك بها ما فاته ؛ ومن ذلك:
01 أن يجتهد في العمل بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأقوال والأفعال ، وتقوى الله عز وجل في السر والعلن ، وتحري الحلال في الكسب ، مع ملازمة ذكر الله وقراءة القرآن ، كل ذلك كفيل – بفضل الله – أن يحفظ على المرء نفسه وزوجه وولده .
روى الحاكم (3395) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( وكان أبوهما صالحا ) قال : " حفظا لصلاح أبيهما وما ذكر عنهما صلاحا "
صححه الحاكم على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" قال سعيد بن المسيب لابنه : لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك . ثم تلا هذه الآية ( وكان أبوهما صالحا ) وقال عمر بن عبدالعزيز : ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه . وقال ابن المنكدر : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظ من الله وستر .
ومتى كان العبد مشتغلا بطاعة الله فإن الله يحفظه في تلك الحال " انتهى .
"جامع العلوم والحكم" (ص 187)
وروى ابن أبي شيبة (35374) عَنْ خَيْثَمَة قَالَ : قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : طُوبَى لِوَلَدِ الْمُؤْمِنِ ، طُوبَى لَهُ يُحْفَظُونَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَقَرَأَ خَيْثَمَةُ : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) .
وروى أيضا (36460) عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ : قرَأَ الْحَسَنُ هَذِهِ الآيَةَ ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) قَالَ : مَا أَسْمَعُهُ ذَكَرَ فِي وَلَدِهِمَا خَيْرًا ، حَفِظَهُمَا اللَّهُ بِحِفْظِ أَبِيهِمَا .
وقال ابن كثير رحمه الله : " وقوله : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ) فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته ، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والآخرة ، بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم ، كما جاء في القرآن ووردت السنة به " انتهى .
"تفسير ابن كثير" (5 /186-187)
02 ومما ينبغي العناية به رجاء صلاح الولد فك رهانه بالعقيقة عنه يوم سابعه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل غلام رهينة بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى ) رواه أبو داود ( 2838 ) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح أبي داود "
قيل معناه : أن العقيقة سبب لتخليص الولد من الشيطان وحمايته منه .
يرجى مراجعة إجابة السؤال رقم : (12448) ، (60252)
قال ابن القيم رحمه الله :
" وظاهر الحديثِ أنه رهينةٌ فى نفسه ، ممنوعٌ محبوس عن خير يُراد به ، ولا يلزمُ من ذلك أن يُعاقَب على ذلك فى الآخرة ، وإن حُبِسَ بترك أبويه العقيقةَ عما ينالُه مَنْ عَقَّ عنه أبواه ، وقد يفوتُ الولَد خير بسبب تفريطِ الأبوين وإن لم يكن مِن كسبه " انتهى .
"زاد المعاد" (2 /326)
03 الدعاء من أهم الوسائل الشرعية لحفظ الذرية ؛ كما أخبر الله عز وجل عن عباده المؤمنين : ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان/ 74
قال ابن جرير رحمه الله :
" يقول تعالى ذكره : والذين يرغبون إلى الله في دعائهم ومسألتهم بأن يقولوا : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ما تقرّ به أعيننا من أن تريناهم يعملون بطاعتك " انتهى .
"تفسير الطبري" (19 /318)
ثم روى عن الحسن وسليمان التيمي في قوله : ( قرة أعين ) قالا : " المؤمن يرى زوجته وولده يطيعون الله " .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فسألوه أن يقر أعينهم بطاعة أزواجهم وذرياتهم له سبحانه " انتهى .
"الروح" (ص 252)
04 الرقية الشرعية من وسائل حفظ الذرية ؛ فقد روى البخاري (3271) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ : ( إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ ) .
05 ومما يحسن التنبيه عليه أيضا في هذه المسألة : منع الصبيان من الخروج حتى تذهب فورة العشاء ؛ فإنها ساعة تنتشر فيها الشياطين ؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الْأَبْوَابَ ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ ) .
رواه البخاري (5623) - واللفظ له - ومسلم (2012) .
و" جنح الليل " : إقباله بعد غروب الشمس ، وهو أول الليل .
وروى الإمام أحمد (14482) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( احْبِسُوا صِبْيَانَكُمْ حَتَّى تَذْهَبَ فَوْرَةُ الْعِشَاءِ ؛ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ تَخْتَرِقُ فِيهَا الشَّيَاطِينُ ) .
و" فورة العشاء " أوّل ساعة من الليل .
وبكل حال : فالأخذ بالأسباب الشرعية في التربية هو أساس الوقاية والعصمة من الشيطان الرجيم .
والله أعلم .
تعليق