الحمد لله.
الفوائد التي يأخذها البنك على القرض ، أو يأخذها
العميل على حساب التوفير في البنوك التجارية : ربا محرم ، وليس مع من يبيحها مستند
صحيح ، ولهذا اتفقت كلمة العلماء المعتبرين على تحريمها ، وصدر بذلك قرارات عدة من
المجامع الفقهية المعتبرة ، كمجمع البحوث الإسلامية ، ومجمع الفقه الإسلامي ، وينظر
: سؤال رقم (45691)
والقول بأن علة تحريم الربا هي الاستغلال ، قول لا أصل له ، وقد جاء النص على تحريم
معاملات ربوية كان يفعلها الناس باختيارهم ورضاهم ، كمبادلة الذهب بالذهب مع
التفاضل مراعاة للجودة ، أو مبادلة التمر الجيد بالتمر الردئ متفاضلا . كما روى
البخاري (2145) ومسلم (2985) عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَمْرٍ
بَرْنِيٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ
هَذَا قَالَ بِلَالٌ كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ
بِصَاعٍ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ : ( أَوَّهْ أَوَّهْ
عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا ؛ لَا تَفْعَلْ وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ
تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ ) .
وروى مسلم (2917) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ
بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ
بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ ؛ فَمَنْ زَادَ
أَوْ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى ، الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ ) .
ولو كانت العلة الاستغلال ، لكان التحريم قاصرا على الآخذ فقط دون المعطي .
وقد روى مسلم أيضا (1598) عَنْ جَابِرٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ
، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
وأجمع العلماء على أن كل قرض جر نفعا فهو ربا ، ولم يفرقوا بين الاستغلال وغيره ،
بل منعوا المقترض من إهداء شيء للمقرض خلال مدة القرض ، ما لم تكن بينهما عادة
سابقة بالإهداء .
وى ابن ماجه (2432) عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ : سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ : الرَّجُلُ مِنَّا يُقْرِضُ أَخَاهُ الْمَالَ فَيُهْدِي لَهُ ؟ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا : فَأَهْدَى لَهُ ، أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ ، فَلا يَرْكَبْهَا وَلا يَقْبَلْهُ ، إِلا أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ) . حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (6/159) .
وهذا نص في مسألتك ، فإن العميل صاحب الحساب مقرض
للبنك ، فلا يجوز أن يقبل أي هدية من البنك .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
" وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام ، بغير خلاف .
قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف
على ذلك : أن أخذ الزيادة على ذلك ربا . وقد روي عن أبي بن كعب وابن عباس وابن
مسعود أنهم نهوا عن قرض جر منفعة" انتهى من "المغني" (6/436) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" لا أعلم خلافا فيمن اشترط زيادة في السلف أنه ربا حرام لا يحل أكله " انتهى من
"الاستذكار" (6/ 513) .
وأنت ترى أن ذلك لم يقيد بالاستغلال . فالقرض الربوي محرم في جميع الأحوال ولو كان
المقترض راضيا ببذل الفائدة .
ولو أن شخصا اضطر للإيداع في البنك ، وجاءته فائدة ، لزمه التخلص منها وعدم
الانتفاع بها لنفسه ؛ لأن الفائدة مال خبيث محرم .
والله أعلم .
تعليق