الحمد لله.
لا دليل في الشرع على عدم صحة إمامة ولد الزنا ، بل اتفق الفقهاء على صحة الصلاة خلفه وإنما تنازعوا في كراهتها ، فقد جاء في "الموسوعة الفقهية" (45 /217-218) :
" اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا :
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَتِهَا وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ :
قَال الْحَنَفِيَّةُ : تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا إِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَحَقُّ بِالإِمَامَةِ مِنْهُ ، لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ يُعَلِّمُهُ ، فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ الْجَهْل ، وَإِنْ تَقَدَّمَ جَازَ .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ : يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَل إِمَامًا رَاتِبًا كُلٌّ مِنَ الْخَصِيِّ أَوِ الْمَأْبُونِ أَوِ الأَقْلَفِ أَوْ وَلَدِ الزِّنَا أَوْ مَجْهُول الْحَال .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ : لَوْ كَانَ الأْفْقَهُ أَوِ الأقْرَأُ أَوِ الأْوْرَعُ صَبِيًّا أَوْ مُسَافِرًا قَاصِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ وَلَدَ الزِّنَا أَوْ مَجْهُول الأبِ فَضِدُّهُ أَوْلَى . . . وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّ إِمَامَةَ وَلَدِ الزِّنَا وَمَنْ لاَ يُعْرَفُ أَبُوهُ مَكْرُوهَةٌ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا إِذَا سَلِمَ دِينُهُ . قَال عَطَاءٌ : لَهُ أَنْ يَؤُمَّ إِذَا كَانَ مَرْضِيًّا وَبِهِ قَال سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَإِسْحَاقُ . وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ ) رواه مسلم (673) ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ " رواه البيهقي (20485) ، وَقَدْ قَال اللَّهُ تَعَالَى ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) الأنعام / 164 وَقَال تَعَالَى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) الحجرات / 13 " انتهى باختصار .
وراجع "الأم" (1/193) - "المغني" (2/33) – "المجموع" (4/181) – "الإنصاف" (2/274)
والراجح أنه لا دليل على مجرد كراهة إمامة ولد الزنا :
روى ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/216) عَنِ الزُّهْرِيِّ ، قَالَ : " كَانَ
أَئِمَّةٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ ، يَعْنِي أَوْلاَدِ الزِّنَا . وعَنِ
الشَّعْبِيِّ ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ إِمَامَةِ وَلَدِ الزِّنَا ؟ فَقَالَ : إِنَّ
لَنَا إِمَامًا مَا يُعْرَفُ لَهُ أَبٌ . وعن أبي حَنِيفَةَ قَالَ : سَأَلْتُ
عَطَاءً عَنْ وَلَدِ الزِّنَا ، يَؤُمُّ الْقَوْمَ ؟ فَقَالَ : لاَ بَأْسَ بِهِ ،
أَلَيْسَ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ صَوْمًا وَصَلاَةً مِنَّا ؟ " انتهى .
وقال عيسى بن دينار : لا أقول بقول مالك في إمامة ولد الزنا ، وليس عليه من ذنب
أبويه شيء . وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : لا أكره إمامة ولد الزنا إذا كان
في نفسه أهلا للإمامة . قال ابن عبد البر :
" ليس في شيء من الآثار الواردة في شرط الإمامة في الصلاة ما يدل على مراعاة نسب ،
وإنما فيه الدلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين " انتهى من "الاستذكار" (2
/168)
وسئلت اللجنة الدائمة :
هل يكون ابن الزنا إماما للناس ؟
فأجابت اللجنة : " الأصل أن ولد الزنا في الإمامة كغيره لعموم قوله سبحانه ( إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) وقوله عليه الصلاة والسلام ( يؤم القوم
أقرؤهم لكتاب الله ) الحديث ، ولا تأثير لوزر أمه ، ومن زنا بها عليه ؛ لقوله
سبحانه وتعالى ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) " انتهى من "فتاوى اللجنة
الدائمة" (7 /387-388)
لكن ، مع ذلك ، إن كانت إمامته سببا لفرقة ونزاع ، أو
لأن يكون هو مثارا لحديث الناس وأذاهم ، فينبغي أن يؤمهم غيره ، من أهل الديانة
والاستقامة .
وينظر لمعرفة أحق الناس بالإمامة في الصلاة إجابة السؤال رقم : (20219)
،
وينظر للفائدة إجابة السؤال رقم : (21818)
.
والله أعلم .
تعليق