الحمد لله.
أما أبو قتادة رضي الله عنه : فهو الحارث بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان الأنصاري السلمي المدني .
وقيل اسمه النعمان بن عمرو بن بلدمة ، وقيل عمرو بن ربعي ، والمشهور الأول .
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب .
وعنه ولداه ثابت وعبد الله ومولاه أبو محمد نافع بن عباس بن الأقرع وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعبد الله بن رباح الأنصاري ومعبد بن كعب بن مالك وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وغيرهم .
شهد أحدا وما بعدها ، وكان معروفا بالشجاعة والإقدام رضي الله عنه ، وكان يقال له : فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية : ( كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة – يعني ابن الأكوع ) رواه مسلم (1807)
وروى البخاري (3142) ومسلم (4322) عنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حُنَيْنٍ فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ : مَا بَالُ النَّاسِ ؟ قَالَ أَمْرُ اللَّهِ . ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ ) فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي ثُمَّ جَلَسْتُ ... فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ؟ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ رَجُلٌ : صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيكَ سَلَبَهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ . فَأَعْطَاهُ . فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا (بستانا) فِي بَنِي سَلِمَةَ ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ (اقتنيته وملكته) فِي الْإِسْلَامِ .
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير: أن عمر بعث أبا قتادة ، فقتل ملك فارس بيده ، وعليه
منطقة قيمتها خمسة عشر ألفا ، فنفلها إياه عمر [ يعني : أعطاها له ] .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (2 /452)
وشهد له أصحابه بالخيرية والفضل :
روى أحمد (22104) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ : ( تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ )
وكان رضي الله عنه ورعا يحترز لدينه ، فعن أبي أسيد
قال : قلت لأبي قتادة : مالك لا تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه
الناس ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من كذب علي فليشهد لجنبه
مضجعا من النار )
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (2 /452)
ودعا النبي صلى الله عليه وسلم له بحفظ الله :
فروى مسلم (681) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( إِنَّكُمْ تَسِيرُونَ عَشِيَّتَكُمْ
وَلَيْلَتَكُمْ وَتَأْتُونَ الْمَاءَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا ) فَانْطَلَقَ
النَّاسُ لَا يَلْوِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَبَيْنَمَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ حَتَّى ابْهَارَّ
اللَّيْلُ (انتصف) وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ قَالَ : فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ
مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، ثُمَّ سَارَ
حَتَّى تَهَوَّرَ اللَّيْلُ (ذهب أكثره) مَالَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَدَعَمْتُهُ مِنْ
غَيْرِ أَنْ أُوقِظَهُ حَتَّى اعْتَدَلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى
إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ مَالَ مَيْلَةً هِيَ أَشَدُّ مِنْ
الْمَيْلَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ حَتَّى كَادَ يَنْجَفِلُ فَأَتَيْتُهُ فَدَعَمْتُهُ
فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : مَنْ هَذَا ؟ قُلْتُ أَبُو قَتَادَةَ . قَالَ مَتَى
كَانَ هَذَا مَسِيرَكَ مِنِّي ؟ قُلْتُ : مَا زَالَ هَذَا مَسِيرِي مُنْذُ
اللَّيْلَةِ . قَالَ : ( حَفِظَكَ اللَّهُ بِمَا حَفِظْتَ بِهِ نَبِيَّهُ ) .
وله أولاد ، وهم : عبد الله ، وعبد الرحمن ، وثابت ، وعبيد ، وأم البنين ، وأم أبان
.
توفي بالكوفة سنة أربع وخمسين وهو ابن سبعين سنة في خلافة على بن أبى طالب رضي الله
عنه وهو الذي صلى عليه ، روى له الجماعة في مصنفاتهم .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (2 /454)
وراجع : "تهذيب الكمال" (34 /196) – "الاستيعاب" (ص 86) – "الثقات" لابن حبان (3
/74) – "الطبقات الكبرى" (6 /15) – "التاريخ الكبير" (2 /258) .
أما قتادة التابعي : فهو قتادة بن دعامة بن قتادة بن
عزيز بن عمرو بن ربيعة أبو الخطاب السدوسي البصري رحمه الله .
روى عن أنس بن مالك وأبي الطفيل وصفية بنت شيبة وسعيد بن المسيب وعكرمة وأبي
الشعثاء جابر بن زيد وحميد بن عبد الرحمن بن عوف والحسن البصري وغيرهم .
وعنه أيوب السختياني وسليمان التيمي وجرير بن حازم وشعبة ومسعر ويزيد بن إبراهيم
وهشام الدستوائي ومطر الوراق وهمام بن يحيى وسعيد بن أبي عروبة وخلائق .
ولد أكمه [ مطموس العين ] ، لكنه كان آية في الحفظ ، إماما في الحديث والتفسير
والفقه .
قال بكير بن عبد الله المزني : ما رأيت الذي هو أحفظ منه ولا أجدر أن يؤدي الحديث
كما سمعه . وقال ابن سيرين : قتادة أحفظ الناس .
وقال أبو حاتم : سمعت أحمد ابن حنبل وذكر قتادة فأطنب في ذكره فجعل ينشر من علمه
وفقهه ومعرفته بالاختلاف والتفسير ووصفه بالحفظ والفقه وقال قلما تجد من يتقدمه .
انتهى من"تهذيب التهذيب" (8 /315-318)
وقال له سعيد بن المسيب : ما كنت أظن أن الله خلق مثلك .
وعن سفيان الثوري قال : وهل كان في الدنيا مثل قتادة .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /275)
وقال ابن حبان :
كان من علماء الناس بالقرآن والفقه وكان من حفاظ أهل زمانه .
انتهى من"الثقات" (5 /322)
وقال الذهبي : حافظ العصر ، قدوة المفسرين والمحدثين ، كان من أوعية العلم ، وممن
يضرب به المثل في قوة الحفظ .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /270)
وكان رحمه الله ورعا في دينه محتاطا لأمره معظما للعلم وأهله :
قال أبو هلال : سألت قتادة عن مسألة ، فقال : لا أدري ، فقلت : قل فيها برأيك ، قال
: ما قلت برأي منذ أربعين سنة ، وكان يومئذ له نحو من خمسين سنة .
قال الذهبي : فدل على أنه ما قال في العلم شيئا برأيه .
وقال رحمه الله : باب من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده أفضل من عبادة
حول . وقال أيضا : لقد كان يستحب أن لا تقرأ الأحاديث التي عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلا على طهارة .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /275)
قال قتادة : " أتيت سعيد بن المسيب وقد ألبس تبان شعر وأقيم في الشمس (لما ابتلي في
أيام عبد الملك بن مروان) فقلت لقائدي : أدنني منه فأدناني منه فجعلت أسأله خوفا من
أن يفوتني وهو يجيبني حسبة والناس يتعجبون " .
انتهى من"حلية الأولياء" (2 /171)
كما كان عالما بالعربية وأنساب العرب ، قال الذهبي :
" كان قتادة أيضا رأسا في العربية والغريب وأيام العرب ، وأنسابها . ونقل القفطي في
"تاريخه" أن الرجلين من بني أمية كانا يختلفان في البيت من الشعر ، فيُبردان [أي:
يرسلان] بريدا إلى العراق يسألان قتادة عنه " .
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /277)
وقال أبو عمرو : كان قتادة من أنسب الناس [يعني: أعلمهم بالأنساب] .
انتهى من"وفيات الأعيان" (4 /85)
وقد عيب عليه رحمه الله التدليس في الحديث والكلام في
القدر ، والله يغفر له ويرحمه ، فما من أحد إلا ويؤخذ منه ويرد عليه إلا النبي صلى
الله عليه وسلم .
قال الذهبي رحمه الله :
" هو حجة بالإجماع إذا بين السماع ، فإنه مدلس معروف بذلك ، وكان يرى القدر ، نسأل
الله العفو . ومع هذا فما توقف أحد في صدقه ، وعدالته ، وحفظه ، ولعل الله يعذر
أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه ، وبذل وسعه ، والله حكم عدل
لطيف بعباده ، ولا يسأل عما يفعل .
ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه ، وعلم تحريه للحق ، واتسع علمه ، وظهر
ذكاؤه ، وعرف صلاحه وورعه واتباعه ، يغفر له زلـله ، ولا نضلله ونطرحه ، وننسى
محاسنه ، نعم : ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك " انتهى ."
انتهى من"سير أعلام النبلاء" (5 /271)
ولد رحمه الله سنة (61) ومات سنة (117) وقال أبو حاتم : توفي بواسط في الطاعون وهو
ابن ست أو سبع وخمسين سنة بعد الحسن بسبع سنين .
انتهى من"تهذيب التهذيب" (8 /318)
ولم يكن قتادة رحمه الله من تلاميذ ابن عباس كما يقول
السائل ؛ فإنه لم يسمع منه ، بل لم يسمع من كثير من أصحابه ، وقد قال الإمام أحمد :
ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن أنس رضي الله
عنه . قيل فابن سرجس ؟ فكأنه لم يره سماعا.
انتهى من"المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 29)
وقال الحاكم في علوم الحديث : لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس .
انتهى من"تهذيب التهذيب" (8 /319)
وراجع :
"التاريخ الكبير" (7 /186) - "الطبقات الكبرى" (7 /230) – "حلية الأولياء" (2/170)
هذا .. وفي الصحابة من اسمه قتادة ، وهو قتادة بن
النعمان بن زيد بن عامر الأنصاري الظفري أبو عبد الله الصحابي المشهور ، شهد بدرا
والمشاهد كلها ، وهو الذي رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم عينه بعد أن سقطت يوم
بدر أو أحد .
راجع : "تهذيب التهذيب" (8 /320)
والله أعلم .
تعليق