الحمد لله.
أولا :
والدتك الآن هي في عصمة أبيك ، زوجة له ، ما دام هو لم يطلقها ، ولم تختلع هي منه .
ولها عليه كامل حقوقها من النفقة ، والكسوة ، والعشرة ، وغير ذلك .
فإن أخل بشيء من ذلك ، حق له أن تطالبها به ، ولو عند القاضي الشرعي .
وإن اختارت أن تصبر ، وتبقى على ما هي عليه ، فلها ذلك .
فإن لم تصبر ، فلها أن تطلب منه أن يطلقها ، ويعطيها حقوقها ، وتثبت لها في ذمته نفقة المدة التي امتنع عن النفقة عليها فيها ، إذا كانت لم تسقطها عنه ، ولم تسامحه فيها .
ولها أن تختلع منه إن أبى أن يطلقها أو يعطيها حقها .
عن ثوبان رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) .
رواه أحمد (22379) وأبو داود (2226) وغيرهما ، وصححه الألباني.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي تَرْهِيبِ الْمَرْأَةِ مِنْ طَلَبِ طَلَاقِ زَوْجِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ ، لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ " انتهى من "فتح الباري" (9/402) .
ثانيا :
الواجب عليك أن تسعى أولا ، وقبل كل ما سبق ، في الصلح بين والديك ، بكل ما تقدر
عليه ، وأن تعرف والدك أنه وإن كان له أن يتزوج بامرأة أخرى ، حتى ولو لم تعلم أمك
، أو لو لم ترض ، فليس له أن يظلمها ، ويمنعها حقوقها ، وتسعى في رده عن ذلك ، شفقة
عليه أن يلقى الله بشيء من مظالم العباد ، خاصة وهي امرأته ، وأولى الناس ببره .
فإن عاد إلى أمك ، وأعطاها حقها في العشرة بالمعروف ، فالأولى لها أن تبقى معه ،
ليلتئم شمل الأسرة في بيت واحد .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن : " رَجُلٍ مُتَزَوِّجٍ بِامْرَأَتَيْنِ،
وَإِحْدَاهُمَا يُحِبُّهَا وَيَكْسُوهَا وَيُعْطِيهَا وَيَجْتَمِعُ بِهَا أَكْثَرَ
مِنْ صَاحِبَتِهَا " ؟
فأجاب رحمه الله :
" الْحَمْدُ لِلَّهِ. يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ
بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ
كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَأَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ . فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ فِي
الْقَسْمِ، فَإِذَا بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
بَاتَ عِنْدَ الْأُخْرَى بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَلَا يُفَضِّلُ إحْدَاهُمَا فِي
الْقَسْمِ، لَكِنْ إنْ كَانَ يُحِبُّهَا أَكْثَرَ وَيَطَؤُهَا أَكْثَرَ ، فَهَذَا
لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنْ
تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [النساء: 129]
أَيْ: فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ ..
وَأَمَّا الْعَدْلُ فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهُوَ السُّنَّةُ أَيْضًا
اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ
يَعْدِلُ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فِي النَّفَقَةِ، كَمَا كَانَ يَعْدِلُ فِي
الْقِسْمَةِ مَعَ تَنَازُعِ النَّاسِ فِي الْقَسْمِ، هَلْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ
أَوْ مُسْتَحَبًّا لَهُ؟ وَتَنَازَعُوا فِي الْعَدْلِ فِي النَّفَقَةِ هَلْ هُوَ
وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ وَوُجُوبُهُ أَقْوَى وَأَشْبَهُ بِالْكِتَابِ
وَالسُّنَّةِ.
وَهَذَا الْعَدْلُ مَأْمُورٌ بِهِ مَا دَامَتْ زَوْجَةً، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ
يُطَلِّقَ إحْدَاهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ .
فَإِنْ اصْطَلَحَ هُوَ وَاَلَّتِي يُرِيدُ طَلَاقَهَا عَلَى أَنْ تُقِيمَ عِنْدَهُ
بِلَا قَسْمٍ ، وَهِيَ رَاضِيَةٌ ذَلِكَ جَازَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنِ
امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء: 128]
. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي
الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَطُولُ صُحْبَتُهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا،
فَتَقُولُ: لَا تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ يَوْمِي،
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ سَوْدَةَ، فَوَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ
فَأَمْسَكَهَا بِلَا قِسْمَةٍ ، وَكَذَلِكَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ جَرَى لَهُ
نَحْوُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ إنَّ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِيهِ . " انتهى من "الفتاوى
الكبرى" (3/149-150) .
والله أعلم .
تعليق