الحمد لله.
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي الْوَلِيِّ على رَأْيَيْنِ :
الأَوَّلُ : لا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْوَلِيِّ ، وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْمَشْهُورِ ، وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ .
الرَّأْيُ الثَّانِي : يَرَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي وِلايَةِ النِّكَاحِ ، وَهُوَ رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةِ كَذَلِكَ وَغَيْرُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
ينظر : "الموسوعة الفقهية الكويتية" (41/253) ، "الأحكام المترتبة على الفسق" ، فوفانا آدم (306-311) .
وأظهر القولين في ذلك ، إن شاء الله ، أن ولاية الفاسق أمر النكاح صحيحة ، لا سيما إن كان والدا ؛ فإن مبنى الولاية في أمر النكاح على النظر في أمر موليته ، والشفقة الطبيعية ، وخوف المعرة ، وغير ذلك من الدوافع الذاتية الموجودة في ذلك الولي ، ولو كان فاسقا ؛ وما زال الناس عَنْ آخِرِهِمْ ، عَامَّهُمْ وَخَاصَّهُمْ ، مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا ، يُزَوِّجُونَ بَنَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النكاح بولاية الفاسق يصح عند جماهير الأئمة " انتهى من "مجموع الفتاوى" (32/101) .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله - تعليقا على
قول الحنابلة باشتراط عدالة الولي- :
" اشتراط عدالة الولي : هذا هو المشهور .
والرواية الأخرى عن الإمام أحمد ، وهي اختيار صاحب الشرح الكبير : أن هذا لا يشترط
. وهو ظاهراختيار الشيخ [ يعني : ابن تيمية ] ، وابن القيم ، ويقول صاحب الشرح : لم
يزل الناس .
فالصحيح في الدليل ، والذي عليه العمل : أن أباها يملكها ، ولو كانت حالته حالة سوء
، إذا لم يكن كافراً ، بل فاسقاً ؛ فإنه يصح أن يزوِّج " انتهى من "فتاوى ابن
إبراهيم" (10/89-90) .
على أنه إذا كان متهتكا ، أو ديوثا لا يبالي ، أو حمله
فسقه على أن يزوج بناته من أشباهه وأمثاله ، كما قد يحدث أحيانا ، فينبغي ـ هنا ـ
أن تسقط ولايته ، وتنتقل إلى من الولي الأبعد منه ، صيانة لحق موليته ، وزجرا له عن
فسقه وتهتكه .
قال في " الدر المختار :
" بَابُ الْوَلِيِّ (هُوَ) لُغَةً: خِلَافُ الْعَدُوِّ. وَعُرْفًا: الْعَارِفُ
بِاَللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعًا: (الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْوَارِثُ) وَلَوْ
فَاسِقًا عَلَى الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا" انتهى.
قال ابن عابدين رحمه الله في شرحه :
" ( قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُتَهَتِّكًا) فِي الْقَامُوسِ: رَجُلٌ مُنْهَتِكٌ
وَمُتَهَتِّكٌ وَمُسْتَهْتِكٌ : لَا يُبَالِي أَنْ يَتَهَتَّكَ سِتْرُهُ اهـ قَالَ
فِي الْفَتْحِ عَقِبَ مَا نَقَلْنَا عَنْهُ آنِفًا : نَعَمْ إذَا كَانَ
مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إيَّاهَا بِنَقْصٍ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ،
وَمِنْ غَيْرِ كُفْءٍ وَسَيَأْتِي هَذَا.انتهى.
وَحَاصِلُهُ : أَنَّ الْفِسْقَ وَإِنْ كَانَ لَا يُسْلَبَ الْأَهْلِيَّةَ
عِنْدَنَا، لَكِنْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُتَهَتِّكًا لَا يَنْفُذُ تَزْوِيجُهُ إلَّا
بِشَرْطِ الْمَصْلَحَةِ ..." انتهى من "رد المحتار على الدر المختار" (4/153) .
والحاصل :
أن مثل هذا الأب يصح ولايته في نكاح ابنته ، على القول الراجح ، ما لم تحمله هذه
الأفعال على التهاون في أمر ولايته ، أو التفريط في النظر إلى مصلحة ابنته .
وننبه على أن القول بعدم صحة ولاية الأب الفاسق لا يعني أن البنت تزوج نفسها ، فهذا
محرم ، ولا يصح نكاحها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ
بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ،
فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) رواه أحمد (24417) وأبو داود (2083) والترمذي (1102) وصححه
الألباني في صحيح الجامع برقم (2709) .
وإنما تنتقل الولاية من الأب الفاسق على من بعده من الأولياء ، فإن لم يوجد لها ولي
غير الأب انتقلت الولاية إلى القاضي ، وينظر ترتيب الأولياء في جواب السؤال رقم (99696).
والله أعلم .
تعليق