الحمد لله.
إذا كان هذا الإمام يبغضه الناس لقلة دينه وجهله وظلمه وإيذائه لجيرانه فإنه لا ينبغي أن يؤمهم في الصلاة ، وينبغي عزله وتولية من هو أولى بالإمامة منه .
وقد روى الترمذي (360) عن أبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ) وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي" .
قَالَ الْخَطَّابِيّ : " يُشْبِه أَنْ يَكُون الْوَعِيد فِي الرَّجُل لَيْسَ مِنْ أَهْل الْإِمَامَة فَيَقْتَحِم فِيهَا وَيَتَغَلَّب عَلَيْهَا حَتَّى يَكْرَه النَّاس إِمَامَته , فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْإِمَامَةِ فَاللَّوْم عَلَى مَنْ كَرِهَهُ دُونه "
انتهى من "عون المعبود" (2/213) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلٍ يَؤُمُّ قَوْمًا وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ؟
فَأَجَابَ : " إنْ كَانُوا يَكْرَهُونَ هَذَا الْإِمَامَ لِأَمْرِ فِي دِينِهِ : مِثْلَ كَذِبِهِ أَوْ ظُلْمِهِ أَوْ جَهْلِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيُحِبُّونَ الْآخَرَ لِأَنَّهُ أَصْلَحُ فِي دِينِهِ مِنْهُ : مِثْلَ أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ وَأَعْلَمَ وأدين فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُوَلَّى عَلَيْهِمْ هَذَا الْإِمَامُ الَّذِي يُحِبُّونَهُ وَلَيْسَ لِذَلِكَ الْإِمَامِ الَّذِي يَكْرَهُونَهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ" انتهى من"مجموع الفتاوى" (23 /373) .
فإن لم يمكن عزله عن الإمامة وتولية الأصلح : فينبغي على المأمومين أن يتحولوا عن مسجده إلى مسجد آخر يرتضون إمامه ممن يحفظ كتاب الله ويقيم السنة ويفقه أحكام الصلاة .
فإن تعذر ذلك على بعضهم ، فإنهم يصلون خلف هذا الإمام ويصبرون عليه ويسعون في إصلاحه ونصحه بكل ممكن ، ولا يصلون فرادى ، ولا في بيوتهم ولو جماعة ؛ فإن صلاة الجماعة في المساجد واجبة ، وقد كان الصحابة والتابعون يصلون خلف أئمة الجور ولا يتركون الصلاة خلفهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إِذَا لَمْ يُمْكِنْ مَنْعُ الْمُظْهِرِ لِلْبِدْعَةِ وَالْفُجُورِ إلَّا بِضَرَرِ زَائِدٍ عَلَى ضَرَرِ إمَامَتِهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بَلْ يُصَلِّي خَلْفَهُ مَا لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهَا إلَّا خَلْفَهُ كَالْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إمَامٌ غَيْرُهُ . وَلِهَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَالْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِمَا الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ ؛ فَإِنَّ تَفْوِيتَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْ الِاقْتِدَاءِ فِيهِمَا بِإِمَامِ فَاجِرٍ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ التَّخَلُّفُ عَنْهُمَا لَا يَدْفَعُ فُجُورَهُ فَيَبْقَى تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ الشَّرْعِيَّةِ بِدُونِ دَفْعِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ . وَلِهَذَا كَانَ التَّارِكُونَ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ خَلْفَ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ مُطْلَقًا مَعْدُودِينَ عِنْدَ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ . وَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ خَلْفَ الْبَرِّ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهَا خَلْفَ الْفَاجِرِ " انتهى من"مجموع الفتاوى" (23 /343-344) .
والله أعلم .
تعليق