الحمد لله.
من المعلوم والثابت بالنصوص الشرعية الصحيحة : أن القبر والمسجد لا يجتمعان أبداً في دين الإسلام ، ولقد أحسن القائمون على هذا المسجد بهدمه وإعادة بناءه .
وكان الواجب عليهم دفن صاحب القبر في المقبرة مع سائر المسلمين ، لا أن يجعلوا له مكاناً خاصاً قرب المسجد ، حتى لا يعتقد الناس فيه مع مرور الأيام اعتقادات فاسدة .
ولكن بما أن القبر بجانب المسجد ويفصل بينهما جدار ، بل لكل منهما مدخل منفصل ، فلا حرج من الصلاة في هذا المسجد .
ولا يشمله النهي الوارد ببناء المساجد على القبور ، فليس في هذه المسألة قبر بني عليه مسجد ، ولا مسجد أدخل فيه قبر .
وقد دُفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة ، وكان الفاصل بين قبره وبين المسجد جدار الحجرة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" وكانت على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد ، ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار". انتهى من "الرد على الأخنائي" صـ 118
وقال : " وان كان المسجد منفصلاً عن القبر ، فحكمه حكم سائر مساجد المسلمين" . انتهى من"مجموع الفتاوى" (31/12) .
وجاء في "الدرر السنية " (5/ 266) :
" وأجاب الشيخ محمد ابن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن ، والشيخ سليمان بن سحمان : مسجد الطائف الذي في شقه الشمالي قبر ابن عباس رضي الله عنهما ، الصلاة في المسجد، إذا جعُل بين القبر وبين المسجد جدار يُرفَع ، يُخرج القبر عن مسمَّى المسجد ، فلا تكره الصلاة فيه ". انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله:
" إذا كان في قبلة المسجد شيء من القبور فالأحوط أن يكون بين المسجد وبين المقبرة جدار آخر غير جدار المسجد أو طريق يفصل بينهما ، هذا هو الأحوط والأولى ؛ ليكون ذلك أبعد عن استقبالهم للقبور .
أما إن كانت عن يمين المسجد أو عن شماله ، أي عن يمين المصلين ، أو عن شمالهم فلا يضرهم شيئا " . انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (13 /357).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فإذا قال قائل : ما هو الحَدُّ الفاصل في الصلاة إليها؟
قلنا : الجدارُ فاصل ، إلا أن يكون جدارَ المقبرة ، ففي النفس منه شيء ، لكن إذا كان جداراً يحول بينك وبين المقابر ، فهذا لا شَكَّ أنه لا نهي ، كذلك لو كان بينك وبينها شارع فهنا لا نهي ". انتهى من " الشرح الممتع "(2 /254) .
وإذا كان الجدار الواحد فاصلاً ، فمن باب أولى إذا كان لكل منهما جدار مستقل .
والحاصل: أن الصلاة بهذا المسجد لا باس بها نظرا لوجود الجدار الفاصل بين المسجد والقبر ، وأما ما ذكرته للاستدلال على الجواز فلا يظهر لنا وجاهته ، ويشكل عليه القبر الذي يكون داخل المسجد ، وهو ممتهن ، فهل سيقال بتركه نظراً لامتهانه وانتفاء مخافة التعظيم !!
إن تحريم بناء المساجد على القبور أو بناء القبور في المساجد جاء مطلقاً في النصوص الشرعية ، فيبقى على إطلاقه حتى يأتي ما يدل على تقييده .
والله أعلم .
تعليق