الحمد لله.
أولا :
للزوج أن يصالح زوجته على إسقاط حقها في المبيت أو النفقة أو غيرها من الحقوق ، مقابل إمساكها وعدم تطليقها ؛ لقوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) النساء/ 128 .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه ، قَالَ : خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : لاَ تُطَلِّقْنِي وَأَمْسِكْنِي ، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ ، فَفَعَلَ فَنَزَلَتْ : (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ . رواه الترمذي (3040) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وهكذا فسَّرت عائشةُ رضي الله عنها الآيةَ :
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا) قَالَتْ : هِيَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ ، لاَ يَسْتَكْثِرُ مِنْهَا ، فَيُرِيدُ طَلاَقَهَا ، وَيَتَزَوَّجُ غَيْرَهَا ، تَقُولُ لَهُ : أَمْسِكْنِى وَلاَ تُطَلِّقْنِى ، ثُمَّ تَزَوَّجْ غَيْرِى ، فَأَنْتَ فِى حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ ، وَالْقِسْمَةِ لِي ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) رواه البخاري (4910) ومسلم (3021) .
قال ابن كثير رحمه الله : " إذا خافت المرأة من زوجها أن ينفر عنها ، أو يطلقها : فلها أن تسقط حقها ، أو بعضه ، من نفقة ، أو كسوة ، أو مبيت ، أو غير ذلك من الحقوق عليه ، وله أن يقبل ذلك منها ، فلا جناح عليها في بذلها ذلك له ، ولا عليه في قبوله منها؛ ولهذا قال تعالى : (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا) ، ثُمَّ قَالَ : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) ، أي : من الفراق " انتهى من "تفسير ابن كثير" (2/426) .
وهذه المصالحة تتم حال الزوجية ، وأما إن طلقها وأراد أن يراجعها بشرط أن تسقط حقها في المبيت لو تزوج الثانية ، فالجمهور من المذاهب الأربعة لا يرون صحة الرجعة المعلقة على شرط ، وذهب بعض أهل العلم إلى الصحة إن كان للزوج غرض صحيح في الشرط .
وينظر : تبيين الحقائق (4/132) ، حاشية الدسوقي (2/420) ، مغني المحتاج (5/5) ، المغني (7/405) ، الموسوعة الفقهية (22/108) ، الشرح الممتع (13/190) .
وعليه فالأحوط أن تراجع زوجتك دون شرط ، ثم تخيرها بين الطلاق ، وبين البقاء مع إسقاط حقها في المبيت والجماع .
ثانيا :
الإشهاد على الرجعة مستحب غير واجب في قول جمهور العلماء . وينظر : "الموسوعة
الفقهية" (22/113) .
هذا تقرير حكم المسألة من الناحية النظرية ، أما من الناحية العملية فالأفضل لكما
أن تحاولا الإصلاح والاجتماع والتوافق بقدر الإمكان وليتجاوز كل طرف منكما عن
إساءات الآخر له ، حتى تبدآ حياة جديدة ، بلا مشاكل ولا منغصات .
ثم إن اشتراط إسقاط المرأة حقها في المبيت والجماع شرط فيه إجحاف بالمرأة إذا كانت
صغيرة تحتاج إلى إعفاف نفسها ، كغيرها من الناس ، وهذا أمر غريزي لا ينكر على
الإنسان .
فمثل هذا الشرط شاق جداً على المرأة الشابة ، وقد يعرضها إلى ما لا تحمد عقباه ،
ويكون الزوج متسببا في ذلك .
فالنصيحة لك : أن تحاول مناقشة الأمر مع زوجتك بهدوء ، وتجاوز نقاط الخلاف ، حتى
يسود بينكما الود والمحبة .
ونسأل الله تعالى أن يجمع بينكما في خير .
والله أعلم .
تعليق