الحمد لله.
أولا :
الحديث المقصود في السؤال هو ما يروى عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ :
( يَا أَبَا ذَرٍّ ! لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ ، وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ - عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ - خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ )
قوله ( لأن تغدو ) أي : خروجك من البيت غدوة ، ( فتعلَّم ) بحذف التاء . ( مائة ركعة )
أي : نافلة . ( عُمل به أو لم يُعمل به ) أي : سواء كان علما متعلقا بكيفية العمل كالفقه ، أو لا ، بأن يكون متعلقا بالاعتقاد مثلا ، وليس المراد أن يكون علما لا ينتفع به . انتهى من " حاشية السندي على ابن ماجه "
والحديث رواه ابن ماجه في " السنن " (219)، وابن شاهين
في " الكتاب اللطيف لشرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن "
(رقم/55)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (1/61)، والرافعي في "
التدوين في أخبار قزوين ".
جميعهم من طريق العباس بن عبد الله الواسطي ، حدثنا عبد الله بن غالب العباداني ،
عن عبد الله بن زياد البحراني ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، فذكره .
وهذا إسناد ضعيف ، فيه علل :
1- عبد الله بن غالب العباداني : ترجمته في " تهذيب التهذيب " (5/310) ليس فيها
توثيق أو تجريح ، لذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " مستور " انتهى من " تقريب
التهذيب " (ص/317)
2- عبد الله بن زياد البحراني : ترجمته في " تهذيب التهذيب " (5/222) وليس فيها جرح
أو تعديل له ، لذلك قال الحافظ الذهبي رحمه الله : " لا أدري من هو " انتهى من "
ميزان الاعتدال " (4/102)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " مستور " انتهى من "
تقريب التهذيب " (ص/304)
3- علي بن زيد بن جدعان : ضعفه أكثر النقاد كأحمد وابن معين والنسائي والدارقطني
وغيرهم . انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (7/283)
لذلك قال العراقي رحمه الله في حكمه على الحديث :
" ليس إسناده بذاك " انتهى من " المغني عن حمل الأسفار " (1/16)
وقال البوصيري رحمه الله :
" هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد ، وعبد الله بن زياد " انتهى من " مصباح الزجاجة
" (1/30)
وضعف الشيخ الألباني رحمه الله الحديث في " ضعيف ابن ماجه "، و " ضعيف الترغيب
والترهيب ".
وقال ابن القيم رحمه الله – في حديث يروى عن معاذ بنحو حديث أبي ذر - :
" لا يثبت رفعه " انتهى من " مفتاح دار السعادة " (1/532)
ثانيا :
ما ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة في فضل طلب العلم وتعلم كتاب الله يغني عن
الأحاديث الضعيفة ، وقد سبق في موقعنا التوسع في ذكر هذه الأدلة ، يمكنك مراجعتها
تحت الأرقام الآتية : (10471) ، (95897)
ومع ذلك فقد وردت آثار موقوفة عن بعض الصحابة
والتابعين والسلف الصالحين رضوان الله عليهم فيها ما يدل على تفضيل العلم على
العبادة ، وأن العالم ما يزال متعبدا لله تعالى في طريق طلبه للعلم .
قال ابن مسعود :
"لا يزال الفقيه يصلي . قالوا : وكيف يصلي ؟ قال : ذكر الله على قلبه ولسانه .
ويروى عن معاذ موقوفا :
تعلموا العلم ، فإن تعلمه لله خشية ، وطلبه عبادة ، ومذاكرته تسبيح" .
وقال ابن عباس :
"تذاكر العلم بعض ليلة أحب إلي من إحيائها .
وفي " مسائل إسحاق بن منصور " قلت لأحمد بن حنبل : قوله : تذاكر العلم بعض ليلة أحب
إلي من إحيائها ، أي علم أراد ؟ قال : هو العلم الذي ينتفع به الناس في أمر دينهم .
قلت : في الوضوء والصلاة والصوم والحج والطلاق ونحو هذا ؟ قال : نعم" .
وقال أبو هريرة :
"لأن أجلس ساعة فأتفقه في ديني أحب إلي من إحياء ليلة إلى الصباح" .
وقال سفيان الثوري :
"ما من عمل أفضل من طلب العلم إذا صحت فيه النية" .
وقال محمد بن علي الباقر :
"عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد" .
انظر هذه الآثار وغيرها في " مفتاح دار السعادة " (1/532) للعلامة ابن قيم الجوزية
، نقلها عن كتب مسندة ككتاب " جامع بيان العلم " لابن عبد البر ، وكتب الخطيب
البغدادي ، وقد عقد فصلا طويلا هناك في " العلم وفضله وشرفه "، وأطال جدا في بيان
فضيلة العلم من عشرات الأوجه (1/219-541)
والله أعلم .
تعليق