الحمد لله.
أولا :
الحديث الوارد في السؤال يُروى عن اثنين من الصحابة الكرام ، ولكن بأسانيد ضعيفة جدا :
الحديث الأول : عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إنّ اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن، فيقول الله سبحانه لملائكته: يا ملائكتي! من أبكى هذا اليتيم الذي غيّب أباه في التراب؟ فيقول الملائكة: ربنا أنت أعلم، فيقول الله: يا ملائكتي! فإني أشهدكم أنّ لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة» فكان عمر إذا رأى يتيما مسح رأسه، وأعطاه شيئا )
رواه ابن عدي في " الكامل " (3/142)، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " (2/269)، والمعافى النهرواني في " الجليس الصالح " (319)، والثعلبي في " الكشف والبيان " (10/230) واللفظ المسوق أعلاه من كتابه .
جميعهم من طريق الحسن بن أبي جعفر ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وهذا إسناد ضعيف جدا فيه علتان :
1- الحسن بن أبي جعفر : اتفق الأئمة على ضعفه ، حتى قال علي بن المديني : ضعيف ضعيف . وقال فيه البخاري : منكر الحديث . وقال النسائي : متروك . وقال ابن حبان : غفل عن صناعة الحديث وحفظه ، فإذا حدث وهم وقلب الأسانيد وهو لا يعلم ، حتى صار ممن لا يحتج به وإن كان فاضلا . انظر ترجمته في " تهذيب التهذيب " (2/260)
2- علي بن زيد بن جدعان : ضعفه النقاد ، حتى قال فيه ابن حبان : يهم ويخطىء فكثر ذلك منه فاستحق الترك . كما في " تهذيب التهذيب " (7/324)
ولذلك حكم أهل العلم على هذا الحديث بالضعف الشديد
والنكارة :
قال ابن عدي رحمه الله – بعد أن ساق مجموعة أحاديث للحسن بن أبي جعفر -:
" لعل هذه الأحاديث التي أنكرت عليه توهّمها توهما ، أو شُبِّه عليه فغلط " انتهى
من " الكامل " (3/143)
قال الذهبي رحمه الله :
" إسناده ضعيف " انتهى من " العلو " (ص/96)
وقال ابن عراق :
" في سنده مَن لم أقف لهم على ترجمة " انتهى من " تنزيه الشريعة " (2/136)
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" هذا متن منكر جدا مع ضعف إسناده الشديد ، وفيه علل " انتهى من " السلسلة الضعيفة
" (رقم/5852)
وقد روى ابن أبي الدنيا في " النفقة على العيال " (رقم/615) هذا الحديث من طريق
درست بن زياد ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب من كلامه .
ولكن درست بن زياد قال فيه أبو زرعة : واهي الحديث . وقال البخاري : حديثه ليس
بالقائم . وهكذا اتفق العلماء على ضعفه كما في " تهذيب التهذيب " (3/209)
الحديث الثاني : وقد روي الحديث أيضا عن أنس بن مالك
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذَا بَكَى الْيَتِيمُ وَقَعَتْ دُمُوعُهُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ تَعَالَى ،
فَيَقُولُ : مَنْ أَبْكَى هَذَا الْيَتِيمَ الَّذِي وَارَيْتُ وَالِدَيْهِ تَحْتَ
الثَّرَى ؟ مَنْ أَسْكَتَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ )
رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " (15/35) من طريق موسى بن عيسى البغدادي ،
قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك .
وهذا إسناد لا يثبت بسبب موسى بن عيسى ، لم نقف له على
ترجمة .
لذلك قال الخطيب رحمه الله :
" هذا حديث منكر جدا ، لم أكتبه إلا بإسناده ، ورجاله كلهم معرفون إلا موسى بن عيسى
فإنه مجهول ، وحديثه عندنا غير مقبول " انتهى من " تاريخ بغداد " (15/35)
وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (2/168) تحت باب : " بكاء اليتيم "
وقد اتهم الإمام الذهبي موسى بن عيسى هذا بأنه واضع الحديث في أكثر من كتاب ، انظر
مثلا : " تذكرة الحفاظ " (4/4)، " سير أعلام النبلاء " (14/73)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" كذب " انتهى من " السلسلة الضعيفة " (5851)
ثانيا :
يكفي في هذا الباب قول الله عز وجل : ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ )
الضحى/9.
يقول العلامة السعدي رحمه الله :
" أي : لا تسيء معاملة اليتيم ، ولا يضق صدرك عليه ، ولا تنهره ، بل أكرمه ، وأعطه
ما تيسر ، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك " انتهى من " تيسير الكريم
الرحمن في تفسير كلام المنان " (ص/928)
ولكن ذلك لا يتعارض مع جواز ضرب اليتيم للتأديب من غير أذى ولا إذلال ، فقد نص
العلماء على ذلك .
يقول ابن عابدين رحمه الله :
" وله ضرب اليتيم فيما يضرب ولده " انتهى من " رد المحتار " (6/426)
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (14/250):
" يجوز ضرب اليتيم لتأديبه بغير إلحاق ضرر به أو أذى أو إذلال " انتهى.
عبد العزيز بن باز – عبد العزيز آل الشيخ – صالح بن فوزان – بكر أبو زيد.
وانظر جواب السؤال رقم : (128724)
والله أعلم .
تعليق