الحمد لله.
أولا :
إن أعظم نعم الله على عبده ، أن يوفقه ربه للدين ، ويشرح صدره للإيمان به ، والاستسلام له . قال تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) الأنعام/125 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
" يقول تعالى -مبينا لعباده علامة سعادة العبد وهدايته ، وعلامة شقاوته وضلاله- : إن من انشرح صدره للإسلام ، أي: اتسع وانفسح ، فاستنار بنور الإيمان ، وحيي بضوء اليقين، فاطمأنت بذلك نفسه، وأحب الخير، وطوعت له نفسه فعله، متلذذا به غير مستثقل، فإن هذا علامة على أن الله قد هداه ، ومَنَّ عليه بالتوفيق وسلوك أقوم الطريق.
وإن علامة من يريد الله أن يضله ، أن يجعل صدره ضيقا حرجا . أي : في غاية الضيق عن الإيمان والعلم واليقين، قد انغمس قلبه في الشبهات والشهوات، فلا يصل إليه خير، لا ينشرح قلبه لفعل الخير ، كأنه من ضيقه وشدته يكاد يصعد في السماء ، أي: كأنه يكلف الصعود إلى السماء، الذي لا حيلة له فيه.
وهذا سببه ، عدم إيمانهم ، هو الذي أوجب أن يجعل الله الرجس عليهم ، لأنهم سدوا على أنفسهم باب الرحمة والإحسان ، وهذا ميزان لا يعول ، وطريق لا يتغير ، فإن من أعطى واتقى ، وصدق بالحسنى : يسره الله لليسرى ، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسييسره للعسرى " انتهى من "تفسير السعدي" (272) .
فنسأل الله أن يهديك ، وأن يشرح صدرك للإسلام ، وأن يرزقك الإنابة إليه ، والخضوع لدينه.
ثانيا :
دخولك في الإسلام فرض لازم ، ولا يحتمل التأخير أو التردد ؛ لأنه سبيل السعادة الأبدية ، والنجاة من الكفر والخلود في النار ، فلا مجال للاختيار في ذلك ، ولا ينبغي أن تضع عقبةً في هذا الطريق مهما كانت ، بل بادر بالإسلام على الفور ، وألق عنك حياة الغفلة والضياع ، وحين تغتسل وتصلي وتسجد بين يدي الله ستعلم الفرق بين كون الإنسان عبدا لله الخالق العظيم ، وبين كونه عبدا لنفسه وهواه .
ربما تتخيل الآن أنك لن تتغلب على الحرام الذي هو ممارسة الوشم ، لكننا نعتقد أنك بإسلامك ستنال قوة عجيبة تنتصر بها على نفسك ، وستجد حريتك وراحتك في امتثال أمر ربك ، والتضحية بالدنيا ومتاعها في سبيل إرضائه .
إن الدخول في الدين الجديد يعني انعتاق الإنسان من الأسر والحبس والضيق والذل والحياة الضيقة .
إنه انطلاق الروح لترفرف في عالم كبير فسيح لا يكاد يسع فرحتها وسرورها ، وستكون مستعدة لبذل الغالي والنفيس لتبقى لها هذه السعادة .
إن الحياة تزخر بعشرات ومئات القصص والحالات التي تغلّب فيها أصحابها - بعد إسلامهم - على عادات وأخلاق قد تأصلت وتجذرت في نفوسهم ، كالزنا وشرب الخمر ، وترك هذه الأمور أعسر بكثير من ترك عمل ووظيفة .
إن الإسلام يغرس في نفوس أتباعه اليقين بأن الله هو المالك ، والرازق .. يرزق عبده من حيث لا يحتسب ، لا يَخيب من رجاه ، ولا يضيع من أمّله ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (الطلاق:2 ،3).
وهذا ليس كلاما تحرك به العواطف ، لكنه حقيقة يجب الإيمان بها ، فإذا كان الله هو الخالق المالك لكل شيء ، فقد وعد عبده أن يرزقه ويكفيه ويسعده إن هو اتقاه وأطاعه ، والله لا يخلف الميعاد ، وما الذي يعجزه سبحانه ؟! وهو القادرعلى كل شيء .
أتظن يا عبد الله أن الله يعطيك ويكفلك ويرزقك ، وأنت كافر به ، عاص لأمره ، ثم إذا آمنت به ، وضحيت لأجل دينه : يتركك ، ويضيعك .
يا عبد الله ؛
لا بد أنك قد سمعت بمكة ، التي ولد بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيها مناسك الحج إلى بيت الله الحرام ، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام .
فهل سمعت ببئر زمزم الذي ينبع منه الماء في مكة ؟!
أتدري ما قصة هذا الماء العجيبة ، التي استمر نبعها منذ آلاف السنين إلى يوم الناس هذا ؟!
إنها قصة عجيبة ، تشبه قصتك إلى حد كبير :
إن نبي الله إبراهيم عليه السلام أخذ امرأته هاجر ، أم إسماعيل عليه السلام ، ليسكنها في ذلك المكان الذي هو مكان مكة ؛ لم يكن مكانا مأهولا في ذلك الوقت ؛ فليس به سكان ، وليس به ماء ، وليس به زرع ، وليس به ... ، وليس به :
( ... ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ ، عِنْدَ دَوْحَةٍ ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ [يعني : رجع] مُنْطَلِقًا. فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ ؟
فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا !!
فَقَالَتْ لَهُ : آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟
قَالَ نَعَمْ .
قَالَتْ : إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا !!
ثُمَّ رَجَعَتْ ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ [وهي طريق ضيقة بين جبلين] حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ [إبراهيم: 37]- حَتَّى بَلَغَ - يَشْكُرُونَ [إبراهيم: 37] " .
وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ المَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ [يعني: انتهى ، ولم يبق منه شيء] عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى ، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِنْسَانِ المَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتِ الوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ المَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا ، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ .... فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ ، فَبَحَثَ بِجَنَاحِهِ، حَتَّى ظَهَرَ المَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ المَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ، لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ - أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ -، لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا " .
قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا .
فَقَالَ لَهَا المَلَكُ : لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ، فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِي هَذَا الغُلاَمُ وَأَبُوهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ .. ) . والقصة بطولها في صحيح البخاري ، رقم (3364) .
فانظر يا عبد الله ، كيف أن أم إسماعيل عليه السلام أيقنت أن الله لن يضيعهم ، ما دام إبراهيم قد فعل ما أمره الله به .
وانظر إلى الملك الذي جاءها ، ليستخرج لها ولابنها العطشان من باطن الأرض ، يقول لها : لا تخافوا الضيعة ...
فهيا هيا ، يا عبد الله ؛ ولا تخف الضيعة ؛ فإن الله جل جلاله أكرم من ذلك ، وأعظم مما يبلغه وهمك !!
إن القضية ليست خاصة بك .. إنها قضية تتكرر مع آلاف
الأشخاص من المسلمين .. إنهم يخشون التوبة وسلوك طريق الاستقامة ؛ لأنهم في وظائف
محرمة كالعمل في البنوك الربوية أو صالات القمار أو الفن الهابط أو نحو ذلك ،
والشيطان يخوّفهم الفقر وعدم وجود البديل للرزق ، كما قال تعالى : ( الشَّيْطَانُ
يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ
مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة/268
والواقع يشهد أن أكثر هؤلاء التائبين فُتحت عليهم أبواب الرزق الحلال التي لم تكن
في حسبانهم .
ولهذا نقول : بادر عبد الله بالإسلام ، واخلع عنك قيود الكفر ، وارفع سواده من
عينيك ، وانج بنفسك من النار ، ولا تخش الفقر وأنت في حماية رب العالمين الملك الذي
لا تنفد خزائنه ، وكن موقنا بأنه لا يضيع عباده ، ولا يتركه أهله وأولياءه .
ولنفرض - مجرد فرض - وهو أنك لم تجد بابا من أبواب
الرزق الحلال بعد إسلامك ، فرجعت إلى عملك المحرم ، فأي مقارنة بين حالك الأول
وحالك التالي ؟! إنها مقارنة بين مسلم مؤمن موحد لله ، يقترف المعصية ، وبين كافر
بالله ، ولا مقارنة بينهما بحال . والعاقل إن خير بين بلاءين ومفسدتين اختار أخفهما
، فلا يجمع لنفسه بين الكفر والمعصية ، بل يختار الإسلام والهداية ، ولو ووقع في
المعصية بعد أن يوطن نفسه على الطاعة ، فإنها سيكون حينئذ في محل العفو ، ورجاء
المسامحة .
مع أننا نقول إن هذا مجرد فرض ، وإلا فظننا بالله تعالى أنه يكرمك ويرزقك ويفتح
عليك من خزائنه ما لم يكن لك على بال ؛ لأنه الكريم البر الرحيم القائل : ( مَنْ
عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ
حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ ) النحل/97.
وختاما .. إن أجمل خبر تزفه إلينا هو خبر إسلامك وإيمانك ، ونحن بانتظار هذا الخبر
الجميل المفرح .
اللهم اشرح صدره للإيمان ، واهد قلبه للإسلام ، وافتح عليه خزائن رحمتك .
والله أعلم .
تعليق