الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الأخبار المستقبلية في القرآن والسنَّة وتحقق وقوعها من أدلة صدق هذا الدِّين

165680

تاريخ النشر : 19-05-2011

المشاهدات : 83989

السؤال

لقد جرى حوار بيني وبين مسيحي حول الإسلام والمسيحية ، ومما قاله هذا المسيحي أن الإسلام من وحي الشيطان ، ودار نقاش بيننا حتى انتهينا إلى أن الشيطان لا يعرف المستقبل ، وقلت له : ما رأيك في النبوءات التي جاءت في الإسلام والتي حدثت بعد ذلك موافقة للآية الكريمة ، فرد قائلا إن النبوءات الموجودة في الأحاديث ليس لها اعتبار فقد تكون مجرد تخمينات أو محض صدفة فقط . وسؤالي هو : ما هي النبوءات التي وردت في القرآن الكريم وتحققت بعد نزول الآية ؟ وكيف نثبت صحة النبوءات التي وردت في الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها غير موضوعة ولا مجرد تخمينات ؟ . أفيدوني أفادكم الله وجزاكم الله خيراً .

الجواب

الحمد لله.


أولاً:
جعل الله تعالى للحق منارات متعددة متنوعة وكلها تدل على الحق الذي أرسل الله تعالى به رسله الكرام عليهم السلام ، وهذه المنارات تدل على صدق المرسَل وصدق المرسَل به لتقوم به الحجة على المخالف ويطمئن قلب المتبع .
ومما يتعلق بهذا الأمر ما جاء في سؤال الأخ الفاضل وهو المتعلق بمنارات جعلها الله تعالى دالَّة على أن القرآن وحي رب العالَمين وأنه لم يكن لبشر قدرة على أن يقول بمثله ، ومن الأدلة التي جعلها الله تعالى علامات على ذلك : ما في القرآن من أخبار عن المستقبل والتي وقعت كما أخبر بها الرب عز وجل ، وهي كثيرة نذكر منها :
1. انتصار الروم على الفرس بعد هزيمتهم من قبَلهم أول الأمر .
قال تعالى ( غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ ... ) الروم/ 2 – 4 إلى قوله ( وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الروم/ 6.
وكلمة " بِضع " في اللغة تدل على ما بين ثلاث وتسع ، وقد جاء انتصار الروم على الفرس بعد سبع سنين من نزول الآية .
قال ابن كثير – رحمه الله - :
وقوله ( وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ) أي : هذا الذي أخبرناك به - يا محمد - مِن أنا سننصر الروم على فارس وعد من الله حق ، وخَبَر صدق لا يُخلف ، ولا بد من كونه ووقوعه .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 305 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " وهذا من الأمور الغيبية التي أخبر بها اللّه قبل وقوعها ووجدت في زمان من أخبرهم اللّه بها من المسلمين والمشركين ، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) أن ما وعد اللّه به حق فلذلك يوجد فريق منهم يكذبون بوعد الله، ويكذبون آياته " انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 636 ) .
2. انتصار المسلمين في معركة " بدر " :
قال تعالى ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) القمر/ 45 .
قال القرطبي – رحمه الله - : " وهذا مِن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر " انتهى من " تفسير القرطبي " ( 17 / 146 ) .
وقال الطاهر بن عاشور – رحمه الله - : " وهذا بشارة لرسوله صلى الله عليه وسلم بذلك ، وهو يعلم أن الله منجز وعده ، ولا يَزيد ذلك الكافرين إلا غروراً فلا يعيروه جانب اهتمامهم وأخذ العدة لمقاومته " انتهى من " التحرير والتنوير " ( 27 / 213 ) .
3. موت أبي لهب على الكفر .
قال تعالى ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ . مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ . سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ ) المسد/ 1-3 .
وفي هذه الآيات إخبارٌ من الله تعالى أن عمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أبا لهب سيموت على الكفر ولن يدخل في الإسلام ، وهو أمر غيبي أوحاه الله لنبيِّه عليه الصلاة والسلام ، وكان بإمكان أبي لهب أن يعلن إسلامه ليكذِّب هذا الخبر – ولو في الظاهر – لكنه لم يفعل ، وقد أحدثت هذه الآيات وقعاً عظيماً على بعض الكفار الذين أرادوا البحث في القرآن عن أخطاء ليشككوا المسلمين بكتاب ربِّهم تعالى ، فأبهرتهم هذه الآية - من ضمن آيات كثيرة – فما كان من هذا الراغب بالتشكيك بالقرآن إلا أن يُعلن إسلامه ويصير من الدعاة للإسلام ، وهو الدكتور " جاري ميلر " ، ومما قاله في صدد هذه الآيات :
"هذا الرجل - أبو لهب - كان يكره الإسلام كرها شديداً لدرجة أنه كان يتبع محمداً صلى الله عليه وسلم أينما ذهب ليقلل من قيمة ما يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم ، إذا رأى الرسول يتكلم إلى أناس غرباء فإنه ينتظر حتى ينتهي الرسول من كلامه ليذهب إليهم ثم يسألهم ماذا قال لكم محمد ؟ لو قال لكم أبيض فهو أسود ! ولو قال لكم ليل فهو نهار ! والمقصد أنه يخالف أي شيء يقوله الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ويشكك الناس فيه .
وقبل 10 سنوات من وفاة أبي لهب نزلت سورة في القرآن اسمها " سورة المسد " ، هذه السورة تقرر أن أبا لهب سوف يذهب إلى النار ، أي بمعنى آخر : أن أبا لهب لن يدخل الإسلام ، وخلال عشر سنوات كاملة كل ما كان على أبي لهب أن يفعله هو أن يأتي أمام الناس ويقول " محمد يقول إني لن أسلم وسوف أدخل النار ولكني أعلن الآن أني أريد أن أدخل في الاسلام وأصبح مسلماً ، الآن ما رأيكم هل محمد صادق فيما يقول أم لا ؟ هل الوحي الذي يأتيه وحي إلهي ؟ " ، لكنَّ أبا لهب لم يفعل ذلك تماما ، رغم أن كل أفعاله كانت هي مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكنه لم يخالفه في هذا الأمر ، يعني القصة كأنها تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأبي لهب أنت تكرهني وتريد أن تُنهيني ؟ حسناً لديك الفرصة أن تنقض كلامي ! لكنه لم يفعل خلال عشر سنوات كاملة ! لم يسلم ، ولم يتظاهر حتى بالإسلام ! عشر سنوات كانت لديه الفرصة أن يهدم الاسلام بدقيقة واحدة ! ولكن لأن الكلام هذا ليس كلام محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكنه وحي ممن يعلم الغيب ويعلم أن أبا لهب لن يسلم .
كيف لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يعلم أن أبا لهب سوف يثبت ما في السورة ، إن لم يكن هذا وحيا من الله ؟ كيف يكون واثقا خلال عشر سنوات كاملة أن ما لديه حق لو لم يكن يعلم أنه وحي من الله ؟ لكي يضع شخص هذا التحدي الخطير ليس له إلا معنى واحد " هذا وحي من الله " انتهى بتصرف يسير.

ثانياً:
ما قيل في القرآن يقال في السنَّة النبويَّة ، فقد جاءت السنَّة بمسائل من الغيب أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من ربِّه تعالى ، وهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ، ومما ثبت في ذلك :
1. قوله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها ( وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِي لُحُوقًا بِي وَنِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ ) رواه البخاري ( 3426 ) ومسلم ( 2450 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " وفي الحديث إخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع ، فوقع كما قال ، فإنهم اتفقوا على أن فاطمة عليها السلام كانت أول مَن مات مِن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعده حتى مِن أزواجه " انتهى من " فتح الباري " ( 8 / 136 ) .
2. عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ ( إِنَّ ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) .
رواه البخاري ( 3430 ) .
قال بدر الدين العيني – رحمه الله - : " قوله ( فئتين عظيمتين ) ووصفهما بالعظيمتين لأن المسلمين كانوا يومئذ فِرقتين : فِرقة مع الحسن رضي الله تعالى عنه ، وفرقة مع معاوية ، وهذه معجزة عظيمة من النبي حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر " انتهى من " عمدة القاري " ( 13 / 282 ) .
3. عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ : بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا إِلَيْهِ قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ ( يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ ) قُلْتُ : لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ ( فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ) قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ ( وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى ) قُلْتُ : كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ؟ قَالَ ( كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ فَلَيَقُولَنَّ لَهُ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالًا وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ ) قَالَ عَدِيٌّ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ ) قَالَ عَدِيٌّ : فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ ) .
رواه البخاري ( 3400 ) .
وآخر الحديث عند أحمد في " مسنده " ( 30 / 197 ) : " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ لِأَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهَا " .
( الحَيْرَة ) بلد معروف قديما مجاور للكوفة .
( الظَّعِينَة ) المرأة في الهودج .
والحديث واضح الدلالة فيما نحن فيه ، وقد تحققت النبوءة الثالثة في زمن الخليفةِ الراشدِ عمر بن عبد العزيز ، وقد ذكر الإمامُ البخاري هذا الحديثَ تحت باب "علامات النبوَّة في الإسلام ".

 

ولتعلم أيها الكريم أن ما ذكره لك هذا السائل ، ليس نقاشا علميا ، وليس نظرا في أدلة نحتاج إلى الجواب عنها ، وإنما قوله لك : إن الإسلام من وحي الشيطان هو مجرد شتم وإساءة في القول ، ويمكن لمن يناقشه أن يعيد عليه نفس التهمة ، وبكل سهولة ، فيقول له : بل دينك الذي تدين به هو من وحي الشيطان !! ومهما أجابك بشيء عن دينه ، فهو جواب لنا ، وعند ما يزيد عليه أضعافا مضاعفة .
على أننا لا نرضى أن نقابله سبا بسب ، ولا نرضى أن نقول عن النصرانية أو اليهودية : إنها من وحي الشيطان ، بل هي دين من عند الله في أصله ، ثم حرفهما أتباعهما حتى بلغ بهم الحال إلى ما عندنا !!
وبخصوص النقاش مع النصارى وغيرهم من أهل الضلال انظر أجوبة الأسئلة ( 83621 ) و ( 106399 ) و ( 92781 ) .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب