الحمد لله.
شكرا لك أيها الأخ الكريم أن وثقت فينا ، وعرضت علينا معاناتك ، ثم شكرا لك فوق ذلك على مساعدتك لنا في تصنيف مشكلتك : نفسية ، واجتماعية !!
لكننا في واقع الأمر كنا نستطيع أن نقوم بذلك التصنيف من عندنا ، فهو أمر ميسور نقدر عليه ، لكن الذي لا نقدر عليه ، وكنا ، بل ما زلنا في حاجة إلى مساعدتك لنا فيه : هو حل هذه المشكلة النفسية ؛ فالواقع أن الحل ليس بأيدينا نحن ؛ بل بيدك أنت ـ أيها الأخ الكريم !!
فإن كنت جادا في الإحسان إلينا ومساعدتنا ، فساعدنا بنفسك على حل مشكلتك !!
وسوف تبدأ هذه المساعدة من مجاهدة نفسك ، ومدافعة ظنونك التي توشك أن تفسد عليك قلبك ؛ فالله جل جلاله قد أخبرك أن قضية الرزق : المال ، والولد , والزوجة ، كل ذلك مقدر من عنده ، نازل بأمره سبحانه ، مقسم على العباد بحكمته ، لا يجلب الرزق ذكاء ذكي ، ولا حرص حريص ، ولا يرده قعود قاعد ، ولا بلادة بليد :
كم عالمٍ عالمٍ يشكو طوى وظما وجاهلٍ جاهلٍ شبعانَ ريَّانا
هذا الذي زادَ أهلَ الكفرِ لا سلِموا كفراً وزادَ أولي الإيمانِ إيمانا
فمعرفة هذه السنة الكونية تزيد المؤمن إيمانا بأن كل شيء بقدر من عند الله جل جلاله ، فلا يفرح ولا يأشر ، ولا يبطر بما جاءه من عند ربه .
ولا يقنط ، ولا ييأس ، لأجل ما منع عنه من الرزق والفضل :
( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22-23
وأما أمر الزوجة : فيكفيك منها ـ يا عبد الله ـ أن تكون أولا ديِّنة ، من أصل طيب ، كما ذكرت في سؤالك ؛ ويكفيك من جمالها القدر المناسب المقبول لديك ، والذي يعينك على أن تعفها وتعفك .
وأما المبالغة في مواصفات الزوجة ، أو تكون بعقل كذا وكذا ، فهذا أقرب إلى خيالات الحالمين ، منه إلى واقع المتزوجين ؛ أنت يا عبد الله تحتاج امرأة تتزوجها ، وتعاشرها بالمعروف ، لا تحتاج إلى منتدى ثقافي أو أدبي في منزلك ؛ أنت بحاجة إلى قلب امرأة ، وعقل امرأة ، وجمال المرأة فيما خلقت عليه من الضعف والرقة ، لا في جلَد الرجال ، وعقل الرجال !!
ووالله ، كم رأينا من اشتكى ذلك العقل الراجح ، بل كان سببا في فساد العشرة بينهما ، كل على رأيه ، ولا يريد أن يتنازل عن حقه لصاحبه .
عبد الله ؛ احمد الله على ما عندك من النعم ، واخرج من
دائرة ضعفك ، ووهنك ، وقعودك
إن قلة الرزق ليست دليلا على هوان العبد على ربه ، وكثرته كذلك لا تدل على شرف
العبد وكرامته على الله ؛ بل كل ذلك مقسم بحكمته وعلمه وخبرته في خلقه سبحانه :
(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ
فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ
رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ )
الفجر/15-16
إن أي كلام يمكن أن نقوله لك يا عبد الله ، وكل نصيحة ليست أكثر من أن نذكرك بقول
الله تعالى هنا : (كلا) ؛ أي : ليس الأمر على ما تظن في تقسيم الأرزاق ، والله جل
جلاله ، الرحمن الرحيم الكريم : ليس أهلا لأن تظن به ظن السوء ؛ بل الله أولى بكل
جميل من عباده ؛ أولى أن يظنوا بعلمه وتقديره كل جميل ، أولى أن يصله منهم كل ظن
جميل ، وقول جميل ، وعمل جميل . قال الله تعالى ـ في حديث القدسي ـ : ( أَنَا
عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي
نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي
مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ
ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ
أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) رواه البخاري (7405) ومسلم (2675) .
فظن بالله الخير يا عبد الله ، واسع في طلب رزقك ، فلا تدري : متى اليوم الذي قدر
لك هذا الرزق ، وألق دلوك في الدلاء ، لا تقعد عاجزا ، مضيعا لفرصتك ، متهما لربك :
وَما طَلَبُ المَعيشَةِ بِالتَمَنّي وَلَكِن أَلقِ دَلوَكَ في الدِلاءِ
تَجِئكَ بِمَلئِها طَوراً وَطَوراً تَجِئكَ بِحَمأَةٍ وَقَليلِ ماءِ
وَلا تَقعُد عَلى كَسَلِ التَمَنّي تُحيلُ عَلى المَقادِرِ وَالقَضاءِ
فَإِنَّ مقادِرَ الرَحمَنِ تَجري بِأَرزاقِ الرِجالِ مِنَ السَماءِ
مُقَدَّرَةً بِقَبضٍ أَو بِبَسطٍ وَعَجزُ المَرءِ أَسبابُ البَلاءِ
وَبَعضُ الرِزقِ في دعَةٍ وَخَفضٍ وَبَعضُ الرِزقَ يُكسَبُ بِالعَناءِ
فعد إلى باب ربك ، يا عبد الله ، وتب إليه ، واستغفره
مما بدر منك ، من تسخط ، وتشكك ، وسوء ظن به سبحانه ، واجعل قرة عينك وسلوتك في
صلاتك ، ومناجاتك لربك ، وتجلد وتصبر ، وثق بالروح والفرح والفرج من عند أرحم
الراحمين .
نسأل الله أن يصلح لك شأنك ، وأن يكشف عنك الهم والغم ، وييسر لك أمرك ، ويشرح صدرك
.
وينظر جواب السؤال رقم (30901)
.
وانظركتاب علاج الهموم للشيخ محمد صالح المنجد :
/ar/books/36
والوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ عبدالرحمن بن ناصرالسعدي رحمه الله :
http://www.saaid.net/book/open.php?book=1685&cat=82
والله أعلم .
تعليق