الحمد لله.
الزواج نعمة من نعم الله تعالى ، وفطرة فطر الله الناس عليها ، وسنة من سنن الأنبياء والمرسلين ، ووسيلة إلى بقاء النسل ، وعمران الأرض ، والقيام بالتكاليف . قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 .
وروى البخاري (5063) ومسلم (1401) عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا ، فَقَالُوا : وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ .
قَالَ أَحَدُهُمْ : أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا . وَقَالَ آخَرُ : أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا أُفْطِرُ . وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا . فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ : (أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا ؟ أَمَا وَاللَّهِ ، إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ ، وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) .
والرجل مفطور على الميل إلى المرأة ، والمرأة مفطورة على الميل إلى الرجل ، ولا سبيل إلى تلبية تلك الفطرة بطريقة مستقيمة طاهرة إلا بالنكاح .
وقد أودع الله هذه الرغبة في النفوس ، لحِكَمٍ عظيمة ، منها – كما سبق – : استمرار النسل ، وعمارة الأرض ، وتحقيق الأنس والراحة والمتعة واللذة ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ ) رواه مسلم (1467) .
ومنها : تحصيل الأجر ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا ) رواه مسلم (1006).
وكون الحيوان يتزوج ويعاشر ، لا يعني أن الزواج نقص ، وأن المعاشرة عيب أو مذمة ، فإن الحيوان يأكل ويشرب وينام ، فهل يقول أحد : إن ذلك قبيح لمشابهته فعل الحيوان ! بل اشتراك الأحياء في التزاوج دليل على أنه سنة من سنن الحياة ، وفطرة لا يرغب عنها إلا من شذ .
وأما الذين لا خلاق لهم فهم الذين يتعدون حدود الله ، ويضعون شهوتهم فيما حرم الله ، ولا مقارنة بين هؤلاء ، وبين من يستبيح الفرج بكلمة الله ، ويتزوج على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولو أن رجلاً ترك الزواج لعدم حاجته إليه ، أو لأنه مشغول بما هو أهم ، لم يكن عليه إثم ولا حرج .
ولكن الإثم والحرج على من يحرم ما أحل الله ، ويذم ما أمر الله به ، ويسيء الظن بما فعله صفوة الخلف : (الأنبياء والمرسلين) قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ) الرعد/38 . فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، ودع عنك هذه الأفكار ، وهيئ نفسك لإقامة البيت المسلم ، وإنجاب الذرية الصالحة ، واختر لنفسك ما اختاره الله تعالى لصفوة رسله وأفضل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه تزوج ، ورَغَّب في الزواج ، وحث عليه .
والله أعلم .
تعليق