الحمد لله.
أولا:
لا يخفى أن رد الأربعين ألفا المذكورة بأكثر منها على أقساط هو من الربا الصريح ، والتعامل بالربا من المحرمات القطعية وكبائر الذنوب ، ولا يختلف الحكم لوجود هبة من المقرض أو من غيره كشرط لإتمام العقد الربوي .
قال ابن قدامة في "المغني" (4/240) : كُلُّ قَرْضٍ شَرَطَ فِيهِ أَنْ يَزِيدَهُ ، فَهُوَ حَرَامٌ ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَلِّفَ إذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ زِيَادَةً أَوْ هَدِيَّةً ، فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ ، أَنَّ أَخْذَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ رَبًّا . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، أَنَّهُمْ نَهَوْا عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً" انتهى.
والربا قد توعد الله عليه بالحرب فقال عز وجل : ( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ
اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا
تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278-279.
وثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعن آكل الربا ومؤكله. رواه
البخاري (5962) .
وأما ما أشار إليه الأخ السائل من منفعة هذه الطريقة
لدعم المقيمين الجدد، حيث يحصل على هبة بقدر عشرين ألفا. فالربا ممحوق البركة ، كما
قال تعالى: ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا
يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/276.
قال السعدي في "تفسيره" (ص116) : "
يمحق الله الربا أي: يذهبه ويذهب بركته ذاتا ووصفا، فيكون سببا لوقوع الآفات
فيه ونزع البركة عنه " انتهى.
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ) رواه أحمد
(3745) وابن ماجه (2279) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (3542).
قال المناوي في "فيض القدير" (4/50) : " أي أنه وإن كان زيادة في المال عاجلا يؤول
إلى نقص ومحق آجلا ، بما يفتح على المرابي من المغارم والمهالك ، فهو مما يكون
هباءاً منثوراً
يمحق الله الربا " انتهى.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على جواب السؤال رقم : (106430)
.
ثانيا :
بالنسبة للمبلغ المطلوب جمعه خلال عشرة أشهر ( الخمسة الآلاف ) فما فهمناه من
السؤال أنه يجب على من أراد الحصول على مبلغ العشرين ألفا أن يدفع خمسة آلاف مقدما
كشرط للحصول عليها. فإن كان هذا المبلغ يدفع للتأكد من جدية المنتفع واستحقاقه
للإعانة ، بحيث يستطيع صاحبه استرداده في أي وقت شاء ، فهو أمانة أو وديعة عند
المنظمة ، ترده لصاحبه مع مبلغ آخر كهبة أو تبرع .
وأما إن كان هذا المبلغ يدخل في ملكية المنظمة ولا يستطيع صاحبه استرداده إلا بعد
مضي فترة معينة ، فله حكم القرض ، وهذا لا يجوز بهذه الصورة ؛ لكونه قرضا جر نفعا ،
وقد سبق كلام ابن قدامة في حكاية الإجماع على حرمة ذلك ، وبذلك تخرج هذه المعاملة
عن كونها هبة أو تبرعا ، سواء من الدافع أو من المنظمة ؛ فإن الهبة : " تمليك المال
بلا عوض في الحال " كما جاء في "الموسوعة الفقهية" (42/120).
والخلاصة :
أن الحصول على هذا الدعم بهذه الطريقة المتضمنة للقرض الربوي لا يجوز ، والبعد عن
مثل ذلك مما يفتح على العبد أبواب البركة والرحمة والتيسير ؛ قال تعالى : ( وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ
بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * .. وَمَنْ يَتَّقِ
اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * سورة الطلاق/2-4 .
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ شَيْئًا
لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بَدَّلَكَ اللَّهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ)
رواه أحمد (22565) وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1/62) : " صحيح على شرط
مسلم ".
والله أعلم
تعليق