الحمد لله.
أولا :
النسائي هو الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي ، المتوفى سنة 303هـ .
قال عنه الدارقطني رحمه الله :
" مقدَّمٌ على كل من يُذكر بهذا العلم من أهل عصره " انتهى من " سير أعلام النبلاء " (14/131)
وقال عنه الذهبي رحمه الله :
" لم يكن أحد على رأس الثلاثمائة أحفظ من النسائي ، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم ، ومن أبي داود ، ومن أبي عيسى الترمذي ، وهو جار في مضمار البخاري وأبي زرعة " انتهى من " سير أعلام النبلاء " (14/133)
ثانيا :
اشتهر بين المحققين من علماء الحديث أن سنن النسائي الصغرى " المجتبى " أصح كتب السنن الأربعة ، وأكثرها حديثا صحيحا ، وأقلها حديثا ضعيفا ، وذلك لسببين :
السبب الأول : حرص الإمام النسائي على الانتقاء في كتابه ، وذلك بناء على طلب أمير الرملة أن يفرد له الحديث الصحيح من " السنن الكبرى "، كما قال الإمام السيوطي رحمه الله:
" رأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنف الكبرى أهداها لأمير الرملة ، فقال له : كل ما فيها صحيح ؟ فقال : لا ، فقال : ميِّز لي الصحيح من غيره ، فصنف له الصغرى " انتهى من " تدريب الراوي " (1/109)
وقال محمد بن معاوية الأحمر الراوي عن النسائي ما معناه :
" قال النسائي : كتاب السنن كله صحيح، وبعضه معلول، إلا أنه لم يبين علته، والمنتخب منه المسمى بالمجتبى صحيح كله " انتهى من " النكت على ابن الصلاح " (1/484)
السبب الثاني : علو كعب النسائي في علم العلل ، وتميزه عن أقرانه ، كما سبق النقل عن الإمام الذهبي .
ثالثا :
ننقل هنا كلام بعض أهل العلم في بيان صحة غالب ما في سنن النسائي الصغرى .
قال أبو الحسن المعافري :
" إذا نظرت إلى ما يخرجه أهل الحديث فما خرجه النسائي أقرب إلى الصحة مما خرجه غيره " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ، ورجلا مجروحا " انتهى من " النكت على ابن الصلاح " (1/484)
رابعا :
أما الأحاديث الضعيفة في سنن النسائي الصغرى فهي على ثلاثة أقسام :
القسم الأول: أحاديث يضعفها الإمام النسائي نفسه في السنن، فهذه لا ضير فيها، فالإمام يذكرها ليبين ضعفها ويرد على من يحتج بها.
القسم الثاني : أحاديث يضعفها الإمام النسائي في كتبه الأخرى ، ولا ينص على ضعفها في السنن الصغرى ، وهذه أيضا لا ضير فيها ؛ لأن النسائي يذكرها على سبيل النقل عمن يحتج بها ، فعلى القارئ التنبه إلى حالها بالنظر في كتبه الأخرى ، وعدد أحاديث هذا القسم قليل جدا ، منها حديث قَالَ عُمَرُ لِصُهَيْبٍ : مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ خَاتَمَ الذَّهَبِ ؟ قَالَ : قَدْ رَآهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فَلَمْ يَعِبْهُ . قَالَ : مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه النسائي في " السنن الصغرى " (5163) وسكت عنه ، ولكنه قال عنه في " السنن الكبرى " (8/363): هذا حديث منكر .
القسم الثالث : أحاديث يسكت عنها النسائي ويضعفها المحدثون ، وهي قليلة جدا أيضا ، خاصة وأن بعضها مما اختلف فيه العلماء ، والحق فيه مع النسائي .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" قول الحافظ أبي علي بن السكن وكذا الخطيب البغدادي في كتاب السنن للنسائي إنه صحيح : فيه نظر .
وإن له شرطاً في كتاب السنن للنسائي أنه صحيح: فيه نظر.
وإن شرطه في الرجال أشد من شرط مسلم: غير مسلَّم.
فإن فيه رجالاً مجهولون : إما عيناً أو حالاً ، وفيهم المجروح ، وفيه أحاديث ضعيفة، ومعللة ومنكرة ، كما نبهنا عليه في " الأحكام الكبير " " انتهى من " الباعث الحثيث إلى اختصار علوم الحديث " (ص/31)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله – معلقا على قول ابن الصلاح: أطلق الخطيب والسلفي الصحة على كتاب النسائي -:
"وقد أطلق عليه أيضا اسم الصحة أبو علي النيسابوري ، وأبو أحمد بن عدي ، وأبو الحسن الدارقطني ، وابن منده ، وعبد الغني بن سعيد ، وأبو يعلى الخليلي ، وغيرهم ، وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتابي أبي داود والترمذي كما سبق ، وقال أبو عبد الله بن مندة : الذين خرجوا الصحيح أربعة : البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وأشار إلى مثل ذلك أبو علي ابن السكن...- ثم أجاب عن ذلك بعبارة طويلة ، حاصلها : أن مراد هؤلاء العلماء أن معظم ما في السنن صحيح وليس كله – " انتهى باختصار من " النكت على كتاب ابن الصلاح " (1/481-489)
وهكذا نجد العلماء يقررون وجود الضعيف بأعداد يسيرة في سنن النسائي وغيرها من السنن ، ومن أراد التوسع في هذه النقول فليرجع إلى شروح ألفية العراقي عند قوله :
" ومن عليها أطلق الصحيحا *** فقد أتى تساهلا صريحا "
يقول الإمام السخاوي رحمه الله :
" لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف ، - وقولهم - أن ما كان في الكتب الخمسة مسكوتا عنه ولم يصرح بضعفه أن يكون صحيحا ، ليس هذا الإطلاق صحيحا ، بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود ، ولم نجد لغيرهم فيها كلاما ، ومع ذلك فهي ضعيفة .
وأحسن من هذا قول النووي : " مراد السلفي : أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به ، أي : صالح لأن يحتج به ; لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة ،ويجوز أن يقال: إنه لم يعتبر الضعيف الذي فيها ; لقلته بالنسبة إلى النوعين،وبالجملة فكتاب النسائي أقلها بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ; ولذلك قال ابن رشيد: إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا ، وأحسنها ترصيفا ، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم ، مع حظ كبير من بيان العلل " انتهى من " فتح المغيث " (1/114)
خامسا :
وأما الحديث الوارد في السؤال فهو حديث صحيح، نصه كالآتي :
عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ : كَانَ أَبِي يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ )، فَكُنْتُ أَقُولُهُنَّ ، فَقَالَ أَبِي : أَيْ بُنَيَّ ، عَمَّنْ أَخَذْتَ هَذَا ؟ قُلْتُ: عَنْكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ.
رواه النسائي في " السنن الصغرى " (رقم/1347) وصححه الألباني في " صحيح النسائي "
والله أعلم .
تعليق